القواعد العشر

رمضانيات ( 7) 

  مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ & وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ 

للإمام أبي حامد الغزالي العديد من الرسائل والمؤلفات التي تدور كلها حول فقه  الوصول إلى الله ، وكيفية اتباع السبيل القويم الذي يفضي إلى القرب من الله تعالى .ومن رسائله القيّمة في هذا المجال رسالة بعنوان ( القواعد العشر) أراد أن يضع فيها قواعد مختصرة ومحددة للسالكين على درب المجاهدة ،ثم يترقى المرء بقدر عزمه ومكابدته بعد توفيق الله تعالى له إلى الدرجات العلى من العلاقة مع الله تعالى .وهنا نضع خلاصة هذه القواعد لنفعها العظيم تاركين لكل مسلم مريد أن يكيفها بحسب طريقته في التقرب من الله متقيدا بالاتباع لا الابتداع ، كما قال الغزالي نفسه .
القاعدة الأولى :النية الصادقة الواقعة من غير التواء ،لقوله عليه الصلاة والسلام " وإنما لكل امرئ ما نوى ".والمراد بالنية عزم القلب ، وبالصادقة إنهاؤها للفعل والترك للرب ،وبالواقعة استمرارها على هذه الخلة الأثيرة ،لأن للتكرار فعلا ليس لغيره .(ومعناه  أن يظل يحرص المريد على مجاهدة نيته وتصفيتها ولا يضعف عن ذلك ؛لأن التكرار يجعل الأمر يتحول من تطبع إلى طبع ،وهذا التكرار هو الأصل في المجاهدة )
القاعدة الثانية :العمل لله من غير شريك ولا اشتراك ،لقوله عليه الصلاة والسلام : " اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " .وعلامته أن لا يرضى بغير الحق ، ويرى ما سواه باطلا بل وقد يكون من شاغلا يقطع طريقه إلى الله .
القاعدة الثالثة : موافقة الحق بالاتفاق والوفاق ومخالفة النفس بالصبر على الفراق والمشاق ، وترك الهوى ،وجفاء الملاذ والمكان والخلاف .( ويقصد أن يصبر الإنسان على مجاهدة هواه ومخالفة الآخرين ما دام يثق أنه على الحق وأن أمره لله لأن الإنسان لن يخلو في هذه الدنيا من مكدرات تكدر سعيه إلى الله وتلهيه عن عزيمته )
القاعدة الرابعة : العمل بالاتباع لا الابتداع ، لئلا يكون صاحب حوى ، ولا يزهو برأيه زهوا ، فإنه لا يفلح من اتخذ لنفسه في فعله وليا ، بقوله عليه السلام :"عليكم بالسمع والطاعة ولو كان عبدا حبشيا " . ( ويتناول في هذه القاعدة الاتباع للقرآن والسنة ابتداء من حيز العبادة الفردية والحال الخاصة بين الإنسان ونفسه ،والإنسان وربه ،وحتى الاتباع العام في الولاية العظمى وهي طاعة ولي الأمر فيما يأمر به من أمر الله وعدم الخروج على جماعة المسلمين )
القاعدة الخامسة :  الهمة العليا عن تسويف يفسدك : فقد جاء : لا تترك عمل يوم للغد ، لأن بعض الأعمال من بعضها ، وإلا فمن رضي بالأدنى حُرم الأعلى .
القاعدة السادسة : العجز والذلة ، لا معنى الكسل في الطاعات وترك الاجتهاد ، بل عجزك عن كل فعل إلا بقدر الحق الجواد ، وأن تنظر إلى الخلق بعين التقدير والاحترام مادام الله قد أراد أن يجري شيئا على أيديهم .فإذا علمت أن الكل بيد الله سبحانه وتعالى جعلت عجزك ومسكنتك له بالاعتذار .( يقصد الغزالي هنا أن تسليم الأمر لله لا يعني ترك العمل والكسل بل هو الزيادة في العمل حين يعلم الإنسان أن الله يوفق من يريد لما يريد ،والأمر الثاني :ألا يحسد الإنسان أحدا من المخلوقين على ما آتاه الله من فضله ، وأن يتواضع للناس خاصة إذا قضى أحدهم حاجته لأن الله تعالى قد يقضي الأمور بنفسه دون واسطة من الخلق ، وقد يجعل الخلق واسطة في وصول ما يريد إلى من  يريد ؛وإنما هذا ليظل الخلق مترابط بعضهم ببعض ، وحاجة بعضهم عند بعض ،وهذا من تمام المدنية لقوله تعالى : (ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات ليتخذ بعضكم بعضا سِخريا ، ورحمت ربك خير مما يجمعون ) وقوله تعالى : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض )
القاعدة السابعة : الخوف والرجاء معنى ، وعدم الاطمئنان بجلال الإحسان إلا عند العيان .( ويقصد ما هو مذموم شرعا من التفريط أو الآفراط في الخوف والرجاء مما يحمل إما على اليأس من رحمة الله أو على طول الأمل المفسد للدنيا والآخرة .فلا يطمئن الإنسان لسعيه في الدنيا إلا عند لقاء الله ، كما قال سئل أحمد بن حنبل رحمه الله متى يتوقف عن العمل ؟ فقال : حين أضع قدمي في الجنة )
القاعدة الثامنة : دوام الورد إما في حق الحق أو حق العباد، فتراعي حقوق العباد كما يتوقع منهم خيرا وشرا ، فيحب ويبغض لهم ما يحب ويبغض لنفسه خيرا وشرا ، ويعلم لله تعالى ما يرضى كما يحب أن يفعل الله ما يرضى . ( والمعنى هذا مركب ومقصده الأول : أن يتعود الإنسان دوام طاعة أو عمل صالح بينه وبين الله مهما قلَّ ،فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها . والثاني أن يعطي الخلق حقوفهم دون انتظار الخير منهم ،بل يحب لهم ما يحب لنفسه . والثالث أن يتفقه في معرفة محابّ الله تعالى تماما كما يحب هو العبد أن يفعل الله تعالى له ما يحب )
القاعدة التاسعة : المداومة على المراقبة ولا يغيب عن الله سبحانه وتعالى طرفة عين ، فمن داوم على مراقبة قلبه لله سبحانه وتعالى  وجد الله وإحسانه .وعلم اليقين يحصل ذلك لك بجملته ؛وهو أن ترى الحركات والسكنات والأعيان بتحريكه وتسكينه وقدرته سبحانه لا يستغني عنه شيء .ثم تزيد في مراقبته حتى تصل إلى حقيقة اليقين فيقول : ما رأى شيئا إلا ورأى الله تعالى ،أي هو القيوم على كل شيء بقيومته ، وذلك الشيء هو القائم بأمره وبقدرته ، فتأدب مع الخلق وعاشر أحسن المعاشرة ، قال عليه الصلاة والسلام ( أدبني ربي فأحسن تأديبي ) .( وهذا هو الحق ! فمن رأى كل شيء بتدبير الله تعالى حتى تصرف الخلق في شؤونهم والكون في تقلباته ؛أورثه ذلك أدبا عزيزا غاليا قل نظيره لأنه يصبح يعامل الله ولا يعامل الخلق ! )
القاعدة العاشرة : أن يعلم ما يجب الاشتغال له ظاهرا وباطنا ، لأن من ظن أنه استغنى عن الطاعة فهو مفلس في المعاد ، لقوله سبحانه وتعالى ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) .( فالإنسان لا يخلو من حال مع الله ، فليكن حاله طاعة ،خيرٌ من أن يكون حاله معصية وغفلة ، ما دام يوقن أنه بيد الله !)
هذه القواعد هي أسس وأصول وأما الثمار والفرورع فهي بحسب قوة العبد وعزيمته ،وفي ذلك يتوافت الخلق .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )