فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

湖畔

فقه الحُبّ
(3)



ماهذا الشحوب في نظرتك، إنه ليس صوت قلبك ولكنه انعكاس آلام الآخرين عليك!.
لا يُنشد القمر لمن لا يراه إلا حجرا في مسجنه .
السماء حبلى بالغيم ، والأرض حبلى بالبراعم ، والربيع المتنظر مصطخب بالمرح ؛فاجعل قلبك نبعا من بذور الألحان ، واتبع السير على أرض الأمل فالمهيّمون في موكب دوار بالنجوم .
الحُبّ عزم على المحال، عزم على أن ينمو العديد في الواحد ،كسنبلة بها مائة حبة وهي بعد قائمة بوحدة .
الحُبّ بسالة الجمال ، كغزال في قطيع من الوحوش ، وكوردة في صحراء من العطش .. لا يموت ولو تخلى عنه الحبيب ؛بل إنه يعود من جديد على بحر من الأمنيات حيث : الشوق .. الذكرى .. ووجه الرفيق ؛لغة سطرها اتحاد الغيب بالشهود .
الحُبّ ترجّل الروح ، عندما ينبسط على القلب تستضيء البصيرة نورا من الأسنى فيصير الكون قصيدا من الأنوار.
حين تنجلي الأوهام عن القلب تخبو العاصفة وتهبط السكينة وتغشى الطمأنينة ذاتها ، فالنار حين تشتد يتلاشى الدخان ، فاحمل تلك الشعلة ودعها تأخذك حيث تريد لأنها ذاتك تقصد .
في داخل كل منا صوت يصدح في هدوء ، كلمات تتوالى من أساطير الدهور تستثيرنا ، تقربنا ، تسقينا المعرفة ، كلمات قد تجعلنا ذاهين ولكنها كريح الصّبا تجعلنا نستيعد الحياة .
 ليس ثمة أصدق من دمعة همت من مقلة لحبيب!
إصخِ على بوح فيثارة دون أنغام، أو اقرأ سطور حكاية غير مكتوبة ، أو راقب حريقا دون احتراق.. تسعى إلى القرب وأنت لم تبتعد كمرآة يصقلها رمي الأحجار عليها !!
ينكشف من الكون للإنسان بقدر ما ينجلي له من مرايا نفسه ، وفي هذا الكشف تعود السنن دروس تمُلى على القلب الساكن في دوحة المعرفة والساحر في رياض الأنس ، ذلك أنه من السهل أن تكون مع السبب، مع المخلوق ، مع الكون ، ولكن الشأن كل الشأن أن تكون مع المسبِّب، مع الخالق ، مع المبدع.
إذا صفت منك هذه العلاقة أضاء لك ما خفي من سبحات التخيل ،وطاف بك الكون وأنت في محرابك الضيق ، فرأيت البحر والرمل ، السهل والجبل ، الزهر والروض ، كلها تتوارد على خاطرك في أبهى صورها وأعمق تجلياتها ، وتفتح لك من أسرارها ؛ما به صارت جميلة ومشرقة وعابدة . فتتعلم في الحضور دروسا لم تسطر بعد ، وتسلم بإخلاص لم تعرفه من قبل ، وحينها تشعر بقوة الارتباط مع الكون وأنك متمم لصنعة الجمال الأزلية التي بدت في الصنعة البكر في هذا الكون .
أيها السائل عن قصد السبيل في إدراك ما ينوء به قلبه من أوزار الأسرار، اعلم أن الحكمة لا تنكشف بقريب سؤالك ، ولكن التذكر فعل من سمت همته في معالجة براعم القلب المطوية .
ذلك أن سلامة القلب تجد روحها في جمالية القدر ، فالقدر المؤلم نتاج قلب مشوش، وما الهداية إلى الصراط المستقيم إلا أن تزرع الجمال لتحصد الهداية. والجمال لا يمكن أن ينزوي، إنه يروج جامحا ينشر قلائد سحره على قسمات الوجود ،فيعود للنور معنى آخر في طلعة الشمس ، وللقمر نظرة خجلى في بسمة السحر ، وللعندليب حداء أسيف على أنغام الزهر.
لقد تحدّثوا كثيرا عن الحب ، ولكن أيا من حديثهم لم يكن يحمل آهاتي إليك !
إن ما بيني وبينك لغة لم يتحدث بها بشر من قبلُ ، لأن أبجديتها لم تُمس بفكرٍ، ولم يقدحها تأمل..
كل محِب يقول في محبوبه صدى روحه، والروح لا تتكرر تماما كما أن الحب لا يتعدد.
حين أنظر في عينيك أعلم أن بقايا السماوات ما تزال عالقة في أديم الأرض..
ذلك الاتحاد القديم الذي انجلى عن التفرقة ،ولكنه ترك في القلب وحدة سماوية يرويها غليل الفقد ويعللّها رجاء العودة!
أنت بعيد ..بعيد جدا!!
ولكن مقلتاي تحرسان غيابك كما تشوّفتا دوما رؤيتك
لماذا جئت الآن ؟
أبعد كل هذه السنين المنفية من سجل الأمل!
أبعد كل هذا الغياب الخابي من صحائف القدر!
أبعد كل تلك الدموع الساجيات من قوارب الاشتياق الضائعة!
جئت الآن لتقول لي أن العمر قد انقضى..
وأن الرواية قد آن لها أن تُطوى حتى وإن لم تكتمل..!
وأن انتظارك كان عبثا في سديم الأمنية..!
الأمنية ؟!!
نعم كنت أنتَ الأمنية، وستظل الرجاء ولو بعد يأس!
يكفيني أن أراك
يكفيني أن أهمس لقلبي أنك موجود
وأن السهر مع الأوراق
والسّمر مع اليمام النائحات
لم يكن صنعة كاذب
ولا لهو عابث
إنك عوض الانتظار الطويل
حتى لو لن ألمسك يوما
ولن أجفف العرق من جبينك الأزهر
ولن أقبّل رحيق الحياة في أنفاسك
ولكنك بالنسبة لي صدق الرؤيا
وعصمة النبوءة
هل تصدق .. إني لأرجو لك الخير حيثما كنت
إي والله !
حتى لو نظرتَ إلى غيري
حتى لو ما علمتَ يوما بوجودي
حتى لو أزهرتَ حبا في قلب عذراء أخرى
فإني لقريرة العين أن أراك على خير وإلى خير
أن أشعر في دوران الشمس و القمر أن بسمتك تزِنها النجوم  بأنوارها
وأن أتحسس في بزوغ الفجر انقشاع الحزن من بياض عينيك
وأن أتنفس من زهر الربيع صوتك الحاني وهو ينشد ألحان اللقاء
وأن أتسربل الشتاء لأني أعلم أنك في دفء الحبيبة قائما تصلي
هل تراك تدرك الآن معنى هذا الحب الذي تقول :أني أرهقته بالانتظار ؟!
الحُبّ والعمر لا يلتقيان
لأن الحُبّ يستقر ،والعمر يجري
لأن العمر ينتهي ،والحُبّ يدوم
لأن الحُبّ يشتد مع الآيام ،والعمر يضوى مع الأعوام
لأنك الحُبّ
ولأني العُمر..!
إنه يوم آخر من البعد عنك ...
ولكنه يوم جديد من الاشتياق إليك !
هكذا أرى كل أيامي وأحوالي .. إنهم يتحدون فيك لأنهم عنك وحدك يتحدثون
اليوم تبلغ عمرا جديدا من التألق كما أرجوه لك
وأبلغ أنا مرحلة أخرى من رحلة البحث عنك
غريب أن نبحث عما نعرف .. عما نراه ... عما نسمعه ... عما نشعر به
ولكن البحث هنا يأتي على أمل أن ألمسك حقيقة لا طيفا محلقا خلف السحب.
عذرا ..!
علي أن أعتذر كثيرا كلما يباغتني هذا الشعور بالمادية معك
وعدت الشمس أن يكون حبي لك شعاعا يرسل من لا مكان صوب اللامكان
أبرمت مع القمر عهدا أن يكون شوقي وجهه الذي ينير به العالم .. كل العالم
لتبقى أنت خالدا في أقاصيص الحب ونجوات الشوق
ولأبقى أنا منسية في تراتيل الأسمار وحكايات المستهترين بالأحلام
ولكني ها أنا أسلب قدرتي على الوفاء بكل هذي  العهود
وأجدني في احتراق كي ألثم منك نفسا يبقيني على شفا الحياة!
إن جلدي يذوي حين تتردد ابتسامتك بين قلبي وأذني
وإن عزيمتي لتتلاشى حين يدق لمعان عينيك اسوداد أملي
إن صبر المرأة لا كصبر الرجل
فالرجل يصبر عنها
ولكنها تصبر فيه
لأنها بعضه
وهو كلّها..!
لعل هذا يغفر لي بعضا من زلاتي التي أعيشها في هفوات حلم اللقاء بك

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )