فقه الحب 2 ( نصوص نثرية )

Love is


فقه الحبّ
(2)



يسعى طيفك بين الجفن والهدب كقصة فارسية تطول ألف عام وعام..
نشوة تطبق حرارتها على ليلي الأرق ، تحرمني نفسي ، تسحبني من روحي ، تغمرني بالخلود.
القلب يسهو عن الفلك في دورته ، لأن المعرفة تأبى إلا أن تعلن عشقها ، غريب هو ذاك القلب الذي لم ترح فيه المعرفة أرحالها ، مجهول هو كالخبء بين السموات والأرض ..
الجمال لا يمكن أن يختبئ ، إنه فارس جامح ينشر قلائد سحره على قسمات الوجود ليعود للنور مسمى آخر في طلعة الشمس ، ويختبئ القمر في بسمة السحر ، ويروح العندليب يحدو على أنغام الزهر ..
يقطع الليل والنهار همس شفيف يبثّ اليقين في نجوى العابد ، وينفخ الأمل في دمع العاشق ، ويرح بالعزاء على قلب الثكلى .. لو صمت غناؤه من مزامير الوجود ، لذوى الرجاء من دروب النَّول الأزرق .
الليل يبحث عن ذاك القلب الذي يؤنس سهره ، يلريح أفكاره ،و يكشف عنه حجب السلطان ، فلا الليل سابق النوم ولا النوم يأتي هذا الشتاء .. يمتد هذا الرجاء حتى الأبد ، نار تتلوى في باطن عاشق أرق ..
غافل عن الأسى المغيب خلف طرف جبل الفراق ..
مفتقرا للجراءة في أن يعلن حبه للآفاق.
كم تأسيت على زمن قد مضى ، لم أتعلم منه شيئا وحيدا ؛ من أنا ؟ ذاك السؤال لا يُشرى بالقوت ولا بالمال ، ولا تؤرخه الحكمة في أسفار عاد ولقمان ، إنه سرّ السعي إلى المعرفة ؟!
لكنه كنازح البئر يجرّ حبله من الظلام ويصعد إلى النور
كم يعسر افتضاض الألم حين يتمكن في النفس بمدار الأيام والأحوال عليه ، إنه ليصبح طبيعة القلب وحمته التي لا ينزع عنها، ولا يفارقه أوارها
ليتنا نراقب الآلام التي تصيبنا في سيرنا الدنيوي فلا نسمح لأي منها أن ينفث سمّه في قلوبنا ، ذلك أن القلب يتلبس ما يستقر فيه أقرب قرار أو يمسّه أدنى مسيس.
منازل هي الأيام تعرج فيها الروح، يبقى فيها أصفى الخلق عشقا وأبقاؤهم وفاء على العهد، أولئك الذين يلوح بهاؤهم في الكون، ويتسلى المحزون بأشواقهم حين ينبت على الريح خزامى غالية حبهم .
لا أنيس سوى العشق ، سبيل أولاهم وأخراهم ...
 لا تضج من محن الطريق فما هي إلا مناخل الحياة المزدانة بالآلام ! ولسوف يٌبلي الحوادث بجرأة مَن بقي على العقل وإن أضرم في كونه النيران ..هكذا كان سلوك النبي في حضرة سدرة المنهتى ، وهكذا كان وقوف يوسف عند أمر الملك في منزع الغواية ..
لو رغبت حياة القلب فاهجر عوائد العوام ، وكن كجدول يستقي من الأصل وإلى الأصل ينتهي ، فلا الحياة تفنى لأن الله يهب أخرى وأخرى ، مع كل قطرة تنفصل هناك ينبوع يتفجر وعمر يستجد ذاك هو زمن القلب .
في كل ليلة قصة تحكى ، يرقد السمار حولك ذاهلين كأنهم موتى صُلبوا على معارج الفلك الدائر ، هي قصة وحيدة أثيرة يتناقلها الزمن بين منفاه الماضي والحاضر والغد، حتى إذا احتبس الليل أنفاسه ،وغدا الفجر ببلل يمحو ندى الحكاية ، جفّت أسفار الراوي وعاد إلى عصاه يرتحل إلى حيث ليلة قادمة .
لا حديث أسماء ، ولا لغو أحبار ، ولا تراتيل إنشاد ، الأصوات تسمع خافتة ما يحدّث به قلب المشتاق ، ليل بلا زفاف ، و زفاف بلا عروس
لاحب أطهر من حب غاب عنه المحبوب ، إذ لا أحسن من عمل دون غايات وبلا خشية ، وانمحت عنه الإرادة ، ذاك حب ليس كمثله شيء ، يزف إلى الكون : هذا فارسكم قد ترجل عن الشفق طالبا ماهية الليل !

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )