" تشكيلات " ... امرأة ...






كلنا نذكر بنشوة تلك اللعبة الذكية ( تضاد الكلمات  )  والتي تأخذ فيها الكلمات شكل القواعد المسلَّم بها فكريا ، أكثر من  مجرد  اختبار الثروة اللغوية  للمتسابق  !!
 وأشهر هذه العلاقات الضدية التي ترسمها الكلمات ، المعادلة التالية :
الرجل # المرأة
وتعني أن : الرجل ( ضد / عكس  ) المرأة !!
لقد عملت هذه المسلَّمة  على  ترسيخ الكثير من التراكمات الجدلية حول علاقة التعايش بين الرجل والمرأة حتى تسللت للإجابة على سؤال ( الوجود ) للمرأة !!
ومادامت المسيرة الطويلة للنضال المنكفئ في محاولات إحلال المساواة بين الرجل والمرأة قد باءت بالفشل ،  فهل يكون البديل الصحيح حينها ( فكريا ولغويا ورمزيا ) أن نجعل الرجل ( ضد / عكس ) المرأة ؟؟
وهل من الصواب أن ندخل الرجل والمرأة في قاموس الأضداد ( مفهوما ولغة ) تماما كما ندخل : الأبيض والأسود ، السهل والحزن ، البر والفاجر ,,,,,, والحق والباطل ؟!!
فرش القصة ,,,
     تخبرنا القصة القرآنية بأن الله عزوجل قد خلق آدم من قبضة من طين الأرض ، وأسكنه جنته وأسجد له ملائكته ثم خلق من آدم( حواء ) إما لدرء وحشة قد ألمت بآدم ، وإما لسنة قد قضيت بحدوث نسل الإنسان على هذه الأرض  . وأن آدم قد أكل هو و زوجه من الشجرة الممنوعة فكان مآلهما النزول من الجنة بعد قبول توبتهما ، وهنا بدأت رحلة مازالت مستمرة من ( فتشقى ) والخطاب هنا لآدم مما يوحي بأن النصب في الرزق هو في أصل الفطرة من نصيب آدم لا حواء .
هذه الرواية تعددت بتحريف وتصويب بين مختلف الشرائع والديانات ولكن في المجمل فإن الجميع قد قبلها ، و حتى الملاحدة لم يستطيعوا أن يوجدوا بديلا عنها إلا  قبول فكرة خروج حواء من شجرة كانت يتكئ عليها آدم !! لذا فإن الشبهات  قد تضخمت في وعي الأجيال المختلفة التي نظرت إلى قصة بدء الخلق بمعزل عن طرفين أساسيين :
·        سلامة المصدر
·        شمولية  المنهج
فكانت الشبهات  كالتالي :
·        هل خَلْق حواء من آدم  يصور تبعية ناقصة أو إهدار قيمة وجودية مستقلة لحواء مما يجعلنا نعتبرها كائنا من الدرجة الثانية ؟
·        هل خَلْق حواء كان لمحض بث الأنس في نفس آدم وبالتالي فإن تقييم وجود حواء يعتمد على الدور الوظيفي الذي تقوم به دون النظر إلى صفتها البشرية المجردة ؟
·        وتبعا لما سبق هل تحدد الهوية الذكرية والأنثوية تبعا لاختلاف الأدوار الاجتماعية من جهة ، والتراكمات الثقافية لكل بيئة  من جهة أخرى ؟
·        هل كانت صورة حواء بإغواء آدم للأكل من الشجرة وما تبعه من الخروج من الجنة - بما تزخر به شتى المصادر التاريخية الضعيفة أو نصوص الكتب السابقة-  كان له أثر في شيوع التمييز  ضد المرأة وممارسات العنف ...إلخ ؟ وهل كان لهذه الصورة أثر في بروز مفهوم الضدية بين الرجل والمرأة و الذي رشح عن تصور غياب العدالة في توزيع إثم الخطأ الأول ؟؟
·         وهل المعيار الأخلاقي في وجود المرأة وحريتها هو وقف عليها دون الرجل ؟
العقدة والصراع
إن نقاش المفاهيم الذي نحتاجه في هذا العصر إنما ينبثق مما يمكن تسميته : الكشف الحضاري ، لا صدام الحضارات أو حوار الحضارات ، ذلك أن اتخاذ القرار بالصدام أو الحوار في عالم الأفكار لابد أن يسبقه دراسة مستفيضة  لبيئة  ( المصطلح والممارسة ) لدى الأطراف الأخرى   .
وفي محاولتها   للهروب المأساوي الذي منيت به حركة ( المساواة ) في مختلف البيئات التي تبنتها ما بين الشرق والغرب ، خرج مصطلح ( النوع الإنساني ، الجندر) كنوع من القفز على الاختلافات التي لم تستطع تلك المساواة إغفالها بين الرجل والمرأة ، ولتدخل معها البشرية في طور جديد من قبول مفهوم ( التحوّل : تغيير الجنس من ذكر إلى أنثى وبالعكس بطريقة إرادية ) من خلال ترسيخه كواقع قائم في المجتمعات ، مما يعني أن مفهوم ( الجنسية الأنثوية ، والأنثى الكاملة –غير المفتقرة لرجل -) السائد اليوم في دول الغرب والمواثيق الدولية والجمعيات النسوية ؛ هي مصطلحات العولمة التي يراد لها أن تأخذ شكل القانون الثقافي السائد لدى مختلف المجتمعات جاهدة في تجاوز الإرث الخاص بكل أمة  .
وما دمنا هنا نركز على معالجة إشكالية الوجود الأول لحواء فإننا سنبدأ بسؤال الأدوار الاجتماعية ، ذلك أن  نظرية النوع ( الجندر ) وهي النظرية التي تضبط وجود الأنثى  البيولوجي والوظيفي لدى الغرب ، تقوم على أن : الأدوار الاجتماعية هي التي تحدد الذكورة والأنوثة وبالتالي فإن حدوث تبادل في الأدوار بين الرجل والمرأة هو خطوة في تحقيق المساواة المنشودة بل إنها بإمكانها أن تلغي التمايز بين التذكير والتأنيث !!؟؟
 فهل حقا أن الأدوار الاجتماعية هي فقط التي تحدد الذكورة والأنوثة ؟؟
هذا  قلب للمفهوم يناقض الفطرة وترتيب العقل !! ذلك أن التمايز الخَلـْـقي هو الذي يصنع الاختلاف في الأدوار الاجتماعية لا العكس !! وتبعا لاختلاف الأدوار الاجتماعية  تختلف الثقافة الخاصة بالتذكير والتأنيث , وبمحاولة أبسط للفهم : إن اختلاف التكوين  الخَلْقي   بين الرجل والمرأة من شأنه أن يحدد الدور الوظيفي لكل منهما وتبعا لذلك تختلف أساليب الحياة ويتشكل النمط المستقر للنوعين .
وبالتالي فإن أي محاولة لتجاوز هذا الاختلاف البيولوجي  هو في الحقيقة تمرد على سنة قدرية لا مجال لاستئصالها من  ملايين  عمليات الولادة التي تنتشر على بقعة العالم كل ثانية ويخرج منها دوما : إما ذكر وإما أنثى ؟؟!!
كما أن إدخال مصطلح الجندر كنوع من الثورة اللغوية على ضمائر التذكير والتأنيث ، وكردة فعل ضد التمييز الذي تعانيه المرأة  في البيئات الأخرى ؛هو في حقيقته البحث في هذا البيولوجي المحض والعمل على إعادة تركيبه وبنائه ،كما أنه ترسيخ من جهة أخرى للفارق الجنسي بين الذكر والأنثى ، وتحديد هوية الأنثى بالهوية الجنسية الأنثوية فحسب مع إغفال تام لقدراتها الفطريةالأخرى ؟؟ أي أن أصحاب هذا المصطلح إنما عادوا لما ظنوا أنفسهم أنهم قد خرجوا منه ؟؟
وقد ظهر مفهوم تحديد الأنوثة تبعا للوظيفة أول مرة في كتاب ( الجنس الثاني ) لكاتبته سيمون دوبوفوار ، وهي القائلة : " بأننا لا نولد نساء ، وإنما نصير كذلك ، وأن الحضارة ككل هي التي أحدثت هذا المخلوق ؟؟"
لقد انطلق البحث في وجود المرأة والمطالبة بالمساواة بينها وبين الرجل من تداخل  المصطلحات السياسية التي رافقت نزعة التحرر في المجتمعات الأوروبية ، فلا عجب حينها أن نجد مصطلحا مثل : الجندر  GENER وهو ذا خصيصة بيولوجية – كما يراد له - يتداخل مع مصطلحات أخرى مثل : المساواة المجتمعية والحرية والأمن الاجتماعي والصراع الطبقي ... إلخ !!خاصة لو أدركنا بأن الجندر في معناه الأصلي : هي مقولة ثقافية وسياسية  يعبر عن المجموعات المهمشة في المجتمع والتي تطمح إلى نيل الحرية والاعتراف بوجودها لذا أطلق مع مسميات أخرى مثل العنصرية  والطبقية على كيفية عيش النساء السود والطبقات السوداء عموما في المجتمع ،وفي قضية المرأة كان يقصد به ترسيخ أن الاختلاف بين الرجل والمرأة هو اختلاف أيدلوجي اجتماعي وليس بيولوجيا تكوينيا .
الحل والمحاولة

تتضح  خطورة ما سبق من ضرورة التنبه إلى  أن هذه المصطلحات سرعان ما تصبح فرضا في عالم العولمة على المجتمعات الأقل قوة وسيطرة كما أنها تدخل ضمن الاتفاقات الدولية التي تعقدها المجامع الدولية ، ولنا هنا تذكير بتوقيع دول العالم على معاهدة بكين -القضاء  على كافة   أشكال التمييز ضد المرأة عام (1995م  )- وكانت الدول العربية من ضمن من وقع عليها في المجمل ، و كان تحفظ البعض على بنودها إنما نشأ من عدم فهم  المصطلحات الواردة فيها . لذلك فإن مرحلة الكشف الحضاري والتي تفضي بالتالي إلى حوار بين الحضارات قائما على العدالة واحترام الخصوصية ، لن تتم إلا بدراسة المصطلحات في حيزها البيئي وروافدها الثقافية ، بمعنى أن ما يسمى بعولمة المصطلح ، هو ادعاء يناقض التركيبة البشرية القائمة على التلون والاختلاف.
وفي خطابنا الفكري لأنفسنا كمسلمين و من ثمّ  خطابنا للآخر، وفي مرحلة العودة المنشودة لبناء الذات الحضارية ، لابد أن نعنى باستخراج المصطلحات من القرآن الكريم والسنة النبوية باعتبار الوحي هو مصدر الثقافة الإسلامية ومنشئها الأول  , كما أن إيجاد الدراسات حول المصطلح يوفر لنا تقديمه كلغة تحاور من شأنها أن تفيد الإنسانية التي نتفق أساسا على تذبذب أطروحاتها حال غيبتها عن الوحي الإلهي !
وفي قضية وجود المرأة وهويتها  الخَـلْقية ، نرى أن مصطلح ( النفس الواحدة ) والذي يعطي تصور ( الوحدة ) هو المفهوم الذي ينبغي أن تبنى حوله أول بنود معالجتنا لقضية المرأة !
فمفهوم الوحدة يمدنا بمايلي  :
1.     يعيد إدخال قضية المرأة داخل المجتمع باعتبارها جزءا تكوينيا منه ، خاصة وأن القرآن الكريم استخدم مفهوم  ( النفس الواحدة ) أو وحدة المنشأ في حديثه عن البشرية كلها ، مثل  قوله تعالى :
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ) النساء / الآية الأولى
( هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها  )الأعراف 189
( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا  ) الحجرات 13
إن هذا الحديث المتكرر عن البشرية كلها  داخل طيات الحديث عن وجود المرأة والرجل ؛يجعل للمرأة وجودا فاعلا ومتفاعلا ومؤثرا ومتأثرا في  هذه العائلة المتكاملة فتدخل قضايا المرأة داخل المنظومة كاملة ( سياسيا واجتماعيا وثقافيا) ، ذلك أن الإشكالية التي تعاني منها مختلف الأطروحات الإيجابية أو السلبية حول المرأة: هي تناولهم إياها  كقضية منفصلة عن الإطار الوجودي العام ، وفي هذه النظرة التفصيلية أو التفكيكية يتم نشوء الصراع بين الرجل والمرأة وشيوع التمييز والعنف أو المناداة بحرية أو مساواة وما إلى ذلك من مصطلحات التفكيك لا الوحدة .
2.     كما أن مفهوم الوحدة  يعني أن التسوية في الخلقة هي  كاملة لدى الرجل والمرأة مادام الاثنان من نفس واحدة ، هذه المعضلة البيولوجية التي غرقت دعاوى تحرير المرأة في محاولة الاقتراب منها لاثبات إنسانية المرأة !! وبالتالي فإن هذا المفهوم يخرج بالمرأة من الزاوية الجنسية الضيقة والتناول الجسدي : الذي  يتمثل في   المعالجة الدائمة لوجود المرأة ، لأن الهوية الجنسية في النهاية هي حق مشترك للرجل كما هي للمرأة وليست خصيصة خَلْقية أنثوية فحسب .
3.     مفهوم الوحدة يبرز لنا قاعدة وجودية كاملة للمرأة والرجل ، وهي وحدة المنشأ والمصير وبينهما الحقوق المشتركة في العيش بآدمية جامعة وفق قانون أن الحياة والعمل والثواب والعقاب حق الجميع !!!
4.     بناء على تقديرنا لمفهوم الوحدة ، فإنه من الخطأ القول بتأجيل معالجة قضايا المرأة ؛ لأن تأخير البتّ فيها هو تعطيل  لشريان هام في المجتمع كاملا ، وقد أثبت الواقع والتجربة أن هذا التأخير والتأجيل المستمر في طرح الرؤى والحلول لم يساعد على تنمية قطاعات المجتمع الأخرى  ، إذ ظلت هذه القضية تطرح نفسها  كنوع من التحدي يعطل  نماء الفروع الأخرى ، ويشكل أرقا ثقافيا ونزفا اجتماعيا تنقسم فيه الآراء والمواقف ما بين أقصى اليمين وأقصى اليسار  . لذا فوضع هذه القضية ضمن أطروحات التغيير وكجزء من مفهوم المواطنة  ، نحو: الشورى ، والعدالة الاجتماعية ، و شيوع المعرفة وغيرها من أطروحات الإصلاح هو المكان الطبيعي لها لتتكون منظومة متكاملة ومنسجمة مع بعضها في آن واحد .
5.     إن مفهوم الوحدة يلغي فكرة الصراع القائم بين التذكير والتأنيث ، هذا الصراع الذي تضخم اجتماعيا وثقافيا في البيئات الأخرى ولم يكن له وجود داخل الثقافة الإسلامية ،و قد كان هذا الصراع عاملا مؤثرا في بناء العلاقات التراتبية بين الطبقات المختلفة : الفقراء و الأغنياء ، السلطة والشعب ، البطالة والحكومة ....
وهكذا فإن بناء اللغة هو في حقيقته تشكيل الفكر الجمعي للأمة كلها ( وجودا وثقافة ) ، كما أن هذا البناء بات اليوم بحاجة إلى الدخول في مرحلة التطوير والحيوية التي تخدم قدسية لغتنا العربية وتجعلها وعاء للفكر، وهو مرحلة أكثر تقدما من مجرد الاشتقاق للترجمة لأن المصطلح هو إبن الثقافة قبل كل شيء ، وهذا هو الإحياء الذي تحتاجه اللغة اليوم بدل العودة إلى البكاء على الأطلال دون قدرة على  الغور في أبجديات ورمزيات العصر الحديث  .
وعودا  على بدء : هل ترانا ما زلنا نقبل المسلَّمة ذاتها : الرجل ( ضد / عكس  ) المرأة ؟؟
*******************
* يقصد بالجندر تحديدا : أن يطلق مسمى النوع الإنساني  على كل إنسان مع إلغاء الاختلاف الذكوري والأنثوي( الجنسي )  مما يسوغ قبول ما يسمى الجنس الثالث وهم الشواذ جنسيا باعتبار أنهم أناس ولكن دون هوية جنسية محددة 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )