الحلم الـ(...)!


ليس من بغية تحقيقها أسمى و أجل ؛من أن نحقق حلما غاليا ! إننا حينها ندل على إنسانيتنا المتفردة فينا ، إننا نقول للغائب والشاهد ولسجلات التاريخ المتحولة : هذا أنا ! ولعل ذا التفرد نفسه هو ما نعنيه عندما نقول أننا نريد أن نحقق ما نحلم به !.
إن ثمة محددات أخرى لتفرد الشخصية الإنسانية كثيرا ما نغفل عنها ، هذه المحددات تتجاوز البصمة وفصيلة الدم وحدقة العين ، هذا المحدد يتسلط على وعينا الداخلي وشعورنا المفرط تجاه أنفسنا والحياة من حولنا ، وإذا كانت ثمة مستحيلات في السنن الكونية ، فإن استحالة أن يتطابق شخصين في حلمهما هو أبرز هذه المستحيلات غير القابلة للحل .هذا التفرد على مستوى الروح أعمق من أن يكون له نسخ أخرى ، لأن الحلم لا يتاثر بمفردات الزمان ولا المكان ، بل يتجاوزها جميعا ، إنه يرتبط فقط بالكينونة الإنسانية الجاثمة داخلنا ،إنه يتشكل من كل قدراتنا ومواهبنا ونقائصنا و دفائن ذكراياتنا؛لذا فإنه من المستبعد أن نستطيع تحليل حلم ما أو تفسيره دون النظر إلى مجمل المعارف التي تمس بناء الشخصية الإنسانية ،بل لعلنا نقول ودون تردد أن المساس بغيب هذا العالم الخفي هو جريمة لا تقل عن جريمة قتل الجسد الخارجي ، لأن محاولة الولوج إلى تفسير غيب الحلم دون الإبحار في معارف عدة ، هو بمثابة توجيه الإنسان آليا بعد قمع سيطرته على عقله وإرادته ،ذلك أن الإنسان قد يعيش فعلا تحت تأثير تفسير حلم أو كشف رؤيا منامية أملا ويأسا ، بشكل أعظم من الانقياد  إلى قوانين الواقع وسلطان الحقيقة ،وهذا حال مشاهدة على مر الأزمان ،لأن الحلم لايخرج عن سلطان الحدس الغريزي ،فكل منا يصدق حدسه ويراه صوت الإله في داخله ، فنحن نعول – حتى لو لم نتعرف بذلك صراحة – على أحاسيسنا الداخلية في اتخاذ القرارات ، والغريب أنه كلما زادت الشخصية إبداعا وفرادة كان تعويلها على هذا الصوت الغيبي أكثر وأمكن ، من هذا الصوت يولد الكتاب العظام ،والقادة الملهمين ، فهم جميعا صدى ما يشعرون به ويعيشونه في عالمهم الداخلي .
إن عالمنا الداخلي هو عالم حافل بالتنافضات ولعل هذا هو سر جماله وموطن إبداعه الذي أراده خالقه له ، وإن كنا نود لو استخدمنا كلمة أخرى لوصف نشاطه المائج غير " التنافض " لما تجلبه هذه الكلمة من معاني تدور حول انهيار الذات المؤمنة ، أو تضارب المعتقدات الفكرية ، أو ازدرواج الهوية وانفصام الشخصية ..إلخ من مرادفات عيوب نفسية غير مقصودة ، إلا أن ما نقصده حين نصف هذا العالم الداخلي "بالتنافض " أنه يجمع في سر تكوينه وفطرته قدرة عالية على التعايش مع تناقضات لا نستطيع أن نراها مجتمعة في الشكل الخارجي لوجود كل منا ، فهو عالم شفيف للغاية تؤثر فيه كل فكرة ترد عليه ، وتؤرقه العواطف المتشاكسة ، وترتع فيه مخيلته صور ومشاهد الوجود كله .ولكنه إلى جانب ذلك عالم شديد التمرد له قدرة جبارة على التسلط على مكنونات النفس الأخرى ،فهو فاعل ومنفعل أبدا ،ورغم أنه يعطي كل عنصر يتطفل عليه فسحة لينمو ويكبر داخله ،إلا أنه في النهاية يندفع بكلّه رافضا سطوة عنصر واحد عليه ،ولعله لشيء من ذلك نجد أن الحلم وهو فِعْل هذا العالم الداخلي ،يشتط بنا في عوالم مختلفة مخترقا حاجز اللحظة الضيقة ،بل رافضا فكرة الموت كإقصاء عن التواصل مع الجانب الآخر من الوجود ،فنحن قد نكلم الموتى ، ونعيش حياة أجيال بادت ،ونطوف العوالم بسرعات تستشكل قوانينا الرياضية حسابها ،لقد كنا دوما نؤرخ لسرعة الضوء على أنها السرعة التي يستحيل تجاوزها ،ولكن ماذا لو أن دراسات الفيزياء اتجهت لقياس سرعة العالم الداخلي لحظة الحلم ؟ مؤكد أن الحسابات ستختلف كثيرا .
ما يهمنا في هذا العالم الداخلي أنه يجب أن يظل مشتعلا بهويته المتفردة ،ذلك أن أي تدخل فيه لفرض نمط معين عليه أو توجيهه وفق رأي محدد ، مايلبث أن يدمر الإنسان ويعرقل مسيرة الإبداع الإنساني ،من هنا تأتي خطورة دراسة حقل الإنسان ككائن متفرد وليس كجزء من مملكة حيوانية تأكل وتشرب وتتكاثر .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )