راحة أم تعب؟







تعاقبت الإنسانية على مراحل الاختراعات كما تعاقب عليها الليل والنهار. وفي كل دورة من التصنيع كان الجهد المبذول لا يتكافئ مع العائدات بلغة المال والأعمال. وهذا مفهوم من جهة أن الطاقات التي تعمل على أداء عملٍ ما، ليست كلها بالإمكان تعويضها، فالقدرات العقلية، مع الدوافع النفسية، مع الرياضات الجسدية، مع تدبير الوقت؛ تغدو في مجملها تبذيرا أكثر منه ادخارا؛ مهما كان النجاح المتوقع خلف الإنتاج الاقتصادي. ولكن هكذا هي حياة الإنسان وهذا هو قدره.

إلا أننا لا ننكر أن ثمة دورة من الابتكارات قد أزاحت الصورة القديمة عن مخيلتنا، ونقصد صورة عامل المنجم المنهك والمتسخ جراء  استخراج الذهب، أو صورة الموظف الآلي الذي نفض علاقته مع حيوية الحياة. فدورة الابتكار التقني التي نعيشها منذ التسعينات قد رسمت ذاكرتها عبر صورة موحية للشاب الطموح المتدفق بالبساطة والبهجة معا، والذي ينظر إلى كل معضلة تواجهه على أنها فيلما وثائقيا قصيرا يريد إخراجه باحترافية عالية كي يتذكره في خبراته النفسية والعقلية فحسب.

واللغة كذلك تغيرت مع الوثبة في روح هذا الشاب الذي يعمل في ظروف عمل مريحة نوعا ما بالقياس إلى أبيه وجده من قبله. فكلمات: الابتكار، الإبداع، الإلهام، الشغف، التأثير، حب الذات، الالتزام الشخصي، التطوير، كن أنت نفسك، تهيئة العقل، لا وجود للمستحيل في حياة الإنسان! هذه اللغة المنقلبة على القدرات المحدودة التي طالما اعتقدها الإنسان عن نفسه في مواجهة الطبيعة، قد عززتها القدرات الذكية مما أتاحته التقنية لعوائق كانت في الماضي عقبات كؤود في سبيل تفوق الإنسان على ذاته.  على سبيل المثال، فقد استطاعت التقنية التغلب على الفروق الجغرافية وبعد المسافات عبر ثورة الاتصالات، واستطاعت أن تُغّيِّب جبروت الزمن حين استطاعت توفير الخدمة على مدار الساعة، كما أنها ألغت الحدود بين الثقافات عبر التركيز على الحاجات المشتركة ومنها ضرورة التعايش المشترك لذات العيش لا غيره.

لقد منحت التقنية المصطلح الأبرز في فلسفتها وهو ، "التمكين"، تمكين الإنسان، تمكين الفئات المهمشة، تمكين المرأة ، تمكين الأعمال، تمكين العقل أيا كانت قدراته ، تمكين الإبداع حتى عبر تسويق المنتجات اليدوية وهي ما اعتقدنا أن التقنية جاءت لتنزعه عن عرشه، فإذ بالتقنية توفر الطرق الأجدى لتسويق هذه المنتجات وربطها بالسوق الإبداعي العالمي.
وفق مبدأ "التمكين" تحفظ التقنية للإنسان أصالته، ونستطيع أن نطمئن عليها وهي تصاحبنا مع تعاقب الليل والنهار.
--------------

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )