لا ظنون أكثر في حبنا





لعل من أسوا ما نتسبب به من الأذى لمن نحبهم هو أن نتركهم فريسة الظنون!
تصور أنك تترك إنسانا يصارع ظنونه فيك أنت، هل تنتظر منه بعد ذلك أن يخلص لك في الحب، أوأن  يعيش معك أكثر في هذا العناء غير المنقضي بطبيعته؟!
 هناك صنف من البشر يعتبرون أن ما يسببونه من قلق للآخرين هو الإثبات الوحيد على الحب، وهذا اشبه بالانحراف النفسي السلبي لا الإيحابي، إذ حتى الانحرافات الإيجابية تفضي في نهايتها إلى الأفضل، فمتى كان التوتر والقلق والهواجس والخوف تنتهي بأي طبيعة إنسانية إلى أن تصبح أفضل بحال!؟
أجمل ما في الحب أنه "تجلٍ"و "وضوح" و"بصيرة"، نعم، لذة الغموض في الحب هي في الأشياء الجديدة التي يجعلنا نعيشها عبر المشاعر والمذاقات لم نعرفها من قبل، فيصير في نفسه رحلة كشفية واكتشافية روحية وذهنية رائعة، ولهذا نحب الحب لأنه يمنحنا شيئا مختلفا حتى لو كان غامضا. وهذا على مستوى عيش الحب في ذاته، فيكون ما هو مجهول لذة.
ولكن الحب أيضا يبني نفسه على الطمأنينة، إنها السكينة في أننا نعرف القلب الذي يحبنا ونحبه بكل وضوح وجلاء واستنارة الحال والمقال ، وأول الحب وآخره، وسواء كنا على قرب أو ابتعاد فيما بيننا. 
أما إن كنا نحب ولسنا على يقين أن القلب الآخر يحبنا..
أما إن كنا نعطي ولسنا على ثقة فيما لو كان الآخر يشعر بقيمة ما نعطي..
أما إن كنا ننتظر ولسنا على جلية من أمرنا فيما لو كان غيرنا كذلك ينتظرنا ويتوقعنا كما نتوقعه..
هذه أحوال بعيدة عن الحب الحقيقي الذي هو صلة لا انفصال، وتوحد لا تشرذم، وسكينة لا قلق ولا توتر!
آن لنا أن نبني الحب في منطقنا على يقين التحقق، لا على مظنة الحدوث. والحقيقة أن التطهر من القلق والتوتر في إثبات الحب يشمل كل أنواع الحب التي قد تحيطنا في حياتنا بما فيها حب الحياة نفسها!
 إننا نحب الحياة لأنها تمنحنا يقين أننا ما زلنا من أهلها كل يوم تشرق علينا شمسه ، ونستقبل صباحه، ونتنسم رطوبة أوقاته وبرودة مساءاته.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )