ما وراء ( أنتَ)!

رمضانيات ( 10 )

وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ

ليست مطالب الإنسان هي وحدها التي تجعل الغاية في الحياة قائمة !وليس النعم والعطايا المكتنزة أرجاء الكون معقودة على غاية رفاهية هذا الكائن الفريد ،فالله وهو القادر كان له أن يترك البشر وقد أمدهم بالنعم الظاهرة في فجاج الأرض ،وبما منحهم من قوى التمييز والعقل ،كان من الممكن أن يتركهم سبحانه ينشئون حضارتهم المادية ،تلك الحضارة التي أعظم مطالبها الإنسان فقط ،ولكن هذا لم يحدث لأن هذا لم يرده الله رغم أنه سخر السماوات والأرض لهذا الإنسان !! 
لقد أكمل الله خلقه المعنوي بإرسال الرسل وإنزال الكتب لأن هناك غاية أعظم يعيش لها الإنسان ، وأن يصير لهذا الكائن المكرم همّه الفريد تماما كخلقه الفريد ،إنه ما من كائن أوكلت إليه مهمة البحث عن الحقيقة ،ولا مشقة التطلع إلى الخالق في نفسه ومن حوله ، ولا تكليف المعرفة بالله سبحانه والشعور بلذة هذه المعرفة إلا الإنسان .لأن الله أراد له حياة أخرى فوق الحياة الحاضرة على الأرض ،تلك الحياة تجعله كاملا فعلا ولو كان في ذاته مشوبا بالنقائص .
وعلى هذا نجد من يعمل للدنيا ،ونجد من يعمل للإنسان ،ولكن العارف الذي بلغ قوة البصيرة هو من يعمل لله ،وهذا هو ناموس الكون الخفي ،فكما أن الكون خلق ليسبح الله على مراد الله ،وأنزلت الشرائع لتمجيد الله على مراد الله ،فكذلك الإنسان عليه أن يكمل هذه الحلقة ويكون لله على مراد الله ،وهذا معنى أن الله يتخذ لنفسه من عباده شهداء ليشهدوا بما يقدمونه من حال وفداء ،على أن الحياة هي الحيا مع الله ،وهذا أبعد مراتب التصور ،وهو الوصول إلى الحقيقة ذاتها .تلك الحقيقة التي ظل البشر يتخبطون في الإقرار بها وضجّت فلسفاتهم في البحث عنها ،فأتى الشهداء يعلنونها بأرواحهم المعلقة حول العرش ،ربما لهذا كان لروح الشهيد هذه المرتبة العالية في ظل العرش لأنه كان الأقرب إلى الله في الفهم عنه .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )