لأن الليل في عينيه ( قصة قصيرة )

ترتخي عصاه بين أصابعه لتستوطن الأريكة الهاربة وراء جسده النحيل ...

يبرق الليل بين زرقة عينيه كما تنعكس رشفة الألم في فنجان قهوة عربية يتلاطم فيه الحزن ولا ينجو منه الموت ..

يتعلق الوقت بالنافذة بسمة طفولة شاخ منها الأمل ...

خصلات شعره الأشيب تهمس بوشاية الزمن حين يعانق خمار الحسناء ...

وعلى تهجية سطور مهجورة من أوزان المصير كان يتمدد بنا في حكايا تنشرها الحكمة ولا يحجبها العقل ...

كم أدركناه غير ذات مرة وهو يثمل : الحكمة نَزْع الروح لا سِرّ العقل !!

يشير إلى السماء المنسكبة خلف سبابته فلا نعود إليها إلا وقد تراءت لنا أشكالا من "صلاح الدين"

ممتطيا هضبة الشمس وقد راح الرعاء يجرون قطعانهم لهثا إلى هداية الساري في كبد الأمنية ..

الوقت يقتات نفسه في خطوط وجهه الداكن ..

فالميلاد يحل قريبا حين تحتشد تجاعيد شفتيه خلف الفراغ...

والرحيل يهلّ بعيدا حين تنسدل وجنتاه على رفات العظم المبتهل إلى الفناء...

والزمن يتم دورته حين تعانق أشلاء يده خطوط الماضي في جبينه ..

هناك فقط تحترق الذاكرة لتهمس في عقولنا الظامئة تراتيل نستنير بها على شرفات اليوم المعترك في المخاض الجديد ...
*********************

على ذات الأريكة .. وحين اشتد بنا عود اليأس بحثنا عن حكاياته القديمة ، نبشنا تربا احتضن النسيان لنفجّر منه شروخ صمته وهو يتمضغ الصوت ...

تذكرنا تنهيدة الجدة حين فلقت فتور الحيرة تنعى مسيرة عمر خضّه الصبر وصرعه الرجاء ..

( لقد رحل الزمن من هنا ... حين تأخرتم !!
ترك لكم بقية أيامه ونتف لياليه ... ورحل !!)

رحل ....!!

رحل ومازلنا نرتجز الوعود...

رحل وترك لنا ليلا مبللا بالأحلام .... وفجرا يرتشف " سوف "!!

صدى حكمته القادمة من معاقد الليل البعيد مازال يبعثر فينا الدمع :

( سيقول التاريخ كانوا يوما ما .... و نحن ما نفتأ نحلم بأن نكون يوما ما !!)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )