الكتابة بالأحجية

 

Photo by Jason Leung on Unsplash

العيش بالأحاجي ليس بغريب علينا، بل لعله يمثل شهوة العيش في ذاته. عندما بدأنا نفتح على فكرة أن اللغز فن من فنون العقل، وأن الذكاء يقاس بقدر ما تحلل المبهم ونفسره؛ بتنا أكثر خوفا من أن نفشل في رؤية حياتنا واضحة، وإلا لكانت فارغة!

إتقان الرقص على التدرجات مهارة مفيدة لفك أحجية العيش. ومن أمثلة التدرج أن نكتب الفكرة ومشكلها، ثم نعتبرهما معا رمزا للإيحاء بالمزيد من الأفكار.

لنفرض أن مشكلتنا في الكتابة هي الكتابة نفسها، وأن هذه المشكلة من شأنها أن تنتج لنا قلقا، فتصبح حينها الكتابة مجالا لأن نقلق، وعندما نقلق نكتب!

ولكن ما شكل الكتابة بالأحجية؟

العبارات التي تخرج في لون الكتابة هذا هي انقلاب على ما هو مستقر.

وبالمناسبة، فإننا لا نقصد أن ننقلب على الأفكار المألوفة، ولكن لو كان المألوف حقيقيا، فعلام ما نزال في حيرة من عدم استواء حياتنا على السلامة والهدوء والصواب؟!

الكتابة بالإشكالية، أو سمها الأحجية، تروي غليل التمرد وتقدم سببا لكي نكتب، لأنها أكسبتنا الأسباب لكي نمارس العيش.

في زمن قديم، كانت صورة الرجل الجالس في شرفة منزله، أو على المقهى وهو منهمك في حل الأحاجي المنشورة في الصحف اليومية، يقدم مثالا على تناقض الجهد مع قيمته. وقتئذ، كان يبدو هذا الرجل ذكيا، فهو يحل الكلمات المتقاطعة، ويقدم احتمالات لحل اللغز العبثي. ولكننا عندما نتذكره اليوم، تهولنا إلى أي حد هي بطالة العقل تحتال على العقل وتنهش أجمل ما فيه: أنه قادر على حل الأحجيات.

أرأيت، إنه الدوران في المشكِل، أصله وفصله، مع عدم احتمالية الانتهاء منهما.

حين نخلو من الطبيعة

يغدو كل تعريج صغير في أدمغتنا

عالما ينتفخ بالحكايات والولادات

غير المنتظرة.

ونحن نبحث عن حزمة المفاتيح

في جيوبنا.. رواية

ونحن نتابع إشارات الضوء

في المرور.. مغامرة

الرائحة تضيق بالمنطقة المحيطة

بمطعم الوجبات الخفيفة.. في

انتظار شطيرة السجق..مشروع ثورة.

لمعان ماكينة القهوة..

ومرثيات الخطوط على الشفاه..

والبخار عابر الوجوه..

قصيدة من شعر نصف تراثي.

ولكن.. ما قد ينقص من رحابة نهارك

أن تسمع حركات أصابع العامل

في محطة البنزين.. تفتح أو تغلق

باب الوقود!

عندها ينتابني مزيج من الغضب

والرثاء..ومراوحات من التقزز

مثلما تدور أيدي أطفال الحارات

سني المجاعات.