كوفيد المذكر، وكورونا المؤنثة

 

Photo by Dhaya Eddine Bentaleb on Unsplash


قد لا تعني هذه المقالة الكثير للكثيرين، ولكني ومن هم على شاكلتي، تقدم لنا تذكيرا بمرحلة فكرية شهدت تطاحنا بين "المذكر" و"المؤنث" على مستويات عدة: أدبية، ونقدية، ودراسات في البيولوجيا وعلوم النفس والاجتماع، ولا أعلم حقا هل استقر فيها الرأي على نهاية تصالحية، أم ما يزال المفهوم ملتبسا، ولم نستطع بعد أن نفهم المذكر والمؤنث؟!

ومع هذا، فإنكم اليوم قد تجدون قربا مع هذا التضارب فيما يتداوله علم الطاقة وعلم التنمية البشرية من خصائص الذكورة والأنوثة المختلطة بين ما حقه أن يكون مذكرا، أو أن يصبح مؤنثا! وأظن أن علوم الطاقة  قد انتهت إلى أنه لا ذكورة ولا أنوثة، فالكل يسبح في كيان واحد، وهذا يعني أن المذاهب الفكرية، وخاصة أطروحات النقد الأدبي، قد فشلت فيما نجحت فيه خصائص الين واليانغ، ربما. 

وما أستشفه هنا، هو الاختلاف في التسمية الرائجة للفيروس القاتل، فتارة نعتبره "كورونا" ونحن نطرب للنبرة الأنثوية التي تعيد لنا نقمة الأساطير القديمة ، من أن المرأة هي مركب الشر في هذا العالم، وأنها مصدر كل الأوبئة والزلازل والسحر الأسود الذي طمر الأرض بلعنة الرب!  حتى لقد تسبب في التطاحن بين الآلهة بحسب الميثولوجيا اليونانية. 

ثم تارة يختار كل من للطب والعلوم والاقتصاد و الإعلام المعاصر أن يطلق عليه تحديدا أكثر بكوفيد-19، وكأن هذا الانتصار للمذكر فيه استنهاض لهمة البحث العلمي كي ينتهي إلى نتيجة، ما دامت خصائص الذكورة أنها تبحث عن الأسباب النتائج ولا تغرق في التفصيلات، على خلاف الأنوثة.

ومع أن الفيروسات مخلوقات لا جنوسة فيها،  إلا أن ثمة هاجس ذهاني جعلنا أول ما نبدأ في دراسة الفيروس أن نبحث هل يصيب الرجال أكثر أم النساء؟!  فالأهمية الحيوية للكائن نفسه كانت خاضعة لتصنيفاتنا الفكرية، وهذا ينبهنا إلى الأخطاء العميقة في حكمنا على المعارف المكتشفة: هل أصبنا  في وضع كل معرفة بحسب سبيلها الفطري ووفق طبيعتها؟ أم أننا أحلنا، وبدلنا، وطورونا رجعيا ؛ بحيث تلائم ما هو مستقر في معاييرنا من تصنيفات وتقسيمات تقوم كلها على فكرة الصراع بين الكينونات، وأهمها الكينونتان الذكرية والأنثوية؟

لنتفق إذن لغويا:  هل هو كوفيد المذكر أم كورونا المؤنث؟  ( بعيدا عن التقسيمات الطبية الفارقة بين المصطلحين)

وإلى أن يتم حسم الأمر، فلا مفر من تحديد  نهاية متفق عليها لمفاهيم الأنوثة والذكورة: هل حقا ثمة مذكر ومؤنث في الفكر والبيولوجيا؟ أم أن التنصنيف لا يُفقِد للفكر قضية، ولا يحرم البيولوجيا من الحياة؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )