العلاقات الاجتماعية تبدأ من : أنا -5-

(5)



حوارالحب
عندما نبدأ في التعاطي مع العلاقات الإنسانية في حياتنا بصورة أصيلة وبجدية، سنصل سريعا إلى مفهوم جذري مفاده أن العلاقات الناجحة هي التي تقوم على حوار مفلح بين الأطراف. فلا اعتبار بالقيمة لأي شيءٍ خارجَ أن يجلس المندمجون مع بعضهم للنقاش واستعراض روافد التواصل السليم والآمن فيهم
إن البحث الخفي عن الأمان وراء كل علاقة نعقدها؛ لا يمكن إنكاره ولا التغاضي عنه، وهذا الهوس الوجودي؛ يصبح من العسير إيجاد آلية للتعايش معه إلا عبر الكلمات؛ ما نتحدث به أو نستمع إليه، خاصة ممَّن يعيننا أن يستمروا في حياتنا

حوار الحب

الكلمات التي تبني خطابنا في العلاقات الإنسانية الحقيقية لا بد وأن تتولد من وتيرة العلاقة نفسها: من شجونها الأصيلة بها، من أفكارها عن قيمها وقيمتها، من طموحات الأطراف تجاه بعضهم، من رغبتهم في البقاء معا أطول مدة؛ لا بد وأن تكون متاحة
من المواقف المغلوطة في عقد الحديث مع من نرتبط معهم بالحب؛ أن نتقلد شكل "الوظيفة" أثناء سرد الحديث، ذلك أننا يجب أن نتحرر من الأدوار التالية:
  •        المدير: لن نتطرق في الحديث إلى الصورة الاستجوابية أو التقريرية كاستطلاع أخبار العمل، أو مشاكل الحياة، أو تسليط الضوء على الثغرات حتى لو كانت واقعا معاشا، فنحن الآن في صدد حوار الحب الذي لا يعترف سوى بذاتين تتحدثان بينهما عمّا بينهما وحسب
  •         المحاسِب: لن ندرج قوائم المصروفات ولا جداول العوائد المادية وراء عيشنا المشترك، وقد كان الحكماء على حق حين قرروا قديما أن الدنيا متى ما دخلت بين اثنين خرجت كل القيم الأصيلة التي تمتدحها النفوس السليمة
  •         الأبوية: لن نوجه، ولن نعاتب، ولن نعاقب، ولن نعترض. ذلك أن التركيز على ما هو ناقص أو غير مكتمل في جوانيات الطرف الآخر في العلاقة؛ سيبدد الأمل المعقود من المحاورة بالكلية
إننا نتحاور كي نزداد حبا، وقربا، وأنسا، وسعادة
 لذلك يجب أن نكون حازمين مع أنفسنا أولا وقبل أن نفتح أي حديث أو حوار مع من نحبهم؛ حول منهجيات نرفض لهفواتنا أن تتجاوزها بحال:
  1.         أن حوار الحب هو عن الحب لا عن شيء آخر غير الحب
  2.         أن الأطراف المشاركة في الحوار هي أيضا تتشارك في كل شيء: الإنسانية، والعواطف، والعيوب، والأخطاء، والدوافع، والآمال
  3.         أن لغة حوار الحب لا بد وأن تعكس الحب، ولا تكون منتزعة انتزاعا من كلمات نستخدمها في اعتيادنا الروتيني
  4.         أن سد الأبواب التي قد تشتت التركيز على غاية الحوار وهي الحب؛ لا يقل أهمية عن جهد التفكير في استنباط موضوع الحوار نفسه. فاختيار المكان الملائم، والتحضير لأجواء الهدوء، ووضع الاشتراطات البيئية والاجتماعية والنفسية..إلخ، كلها تغدو ملاحق هامة في الحفاظ على وتيرة مستقرة للنعيم المرجو من إجراء حوارات الحب

مواضيع الحديث

قد لا نعي أن إيجاد الأفكار لموضوع حوارات الحب من المهمات الصعبة؛ خاصة لو تقادم الزمن بين الأطراف المتعددة. ولعل غلبة تعقيدات الحياة جعل جلّ ما نتجه إلى تفكيرنا عند إجراء أي حوار؛ هو مدى النفعية المتحققة من الحوار في تدعيم مكانتنا الوظيفية أو الاجتماعية أو الاقتصادية فيما نحن بصدده من مشروعات وأعمال . لذا، فإن تحريك القريحة ببعض الأطروحات قد يساعدنا على تحسس آلية لتوجيه أفكارنا ونحن نختار حواراتنا وأحاديثنا؛ بل وقصصنا، مما نتحدث به مع مَن نحبهم
مثال أول
الذكريات: اللقاءات الأولى، التعارف المبكر، الملاحظات الصغيرة المخبأة خلف إرادة كاملة للأقدار في أن تجمعنا معا؛ من الحوارات الجميلة والرائقة والتي لا تنضب استدلالاتها، لأننا كلما نضجنا أكثر في الحياة تغيرت نظرنا لماضينا وبدايات كل حدث مررنا به. وفي كل مرة نفتتح حوارا جديدا مع من نحب؛ سيذهلنا كم أن بداياتنا معا كانت عميقة ومقصودة، وواجب علينا احترامها بمستقبل فيه المزيد من العطاء وفاءً لتلك اللحظات الأولى والمؤثرة.
مثال ثان
الهوايات: تنوع الهوايات لكل طرف في جسم العلاقة يشكل جانبا خفيا في شخصيته. وسواء أكانت هوايتنا معا متشابهة أو متقاربة أو متفقة، أو على النقيض، مختلفة ومتباعدة ومتخالفة أحيانا، غير أن إتاحة الفرصة للتحدث والاستماع حول الممارسات الممتعة التي تحصل في الخفاء بعيدا عن عين كل رقيب؛ من الممكن أن يمنحنا فهما متجددا وثريا لجوانب من شخصية الطرف الآخر لم نكشفها من قبل. ومن بديهيات الحقيقة، أن نقرر أن تشجيع الطرف الآخر على ممارسة هواياته الخاصة من الأصول في بناء العلاقات الإنسانية الصحية أيضا
مثال ثالث
المرح: المرح يتحول في حوارات الحب والعلاقات المستدامة إلى غاية في ذاته، لأننا ننتظر من هذه العلاقات أن تكون متنفسا سليما يخرج بنا من عتبات السلبيات مما يعترض خطوات الاختيارية أو الاضطرارية كل ساعة. فأن نظل قادرين على أن نضحك سويا ونتبادل النكات والعبارات المسرفة في العبث؛ لهو مؤشر على متانة ما بيننا، وعلى أننا قد تجاوزنا أنفسنا وصرنا ننبعث مع حركة الحياة التي فيها كل شيء، ومن ضمن أشيائها الضحك والمرح والفرح، بل وأكثر من هذا، أننا صرنا ومَن نحب متكاملين في فكرتنا عن واقعنا من جهة، وعن مدى ما اكتسبناه من شجاعة على مدى السنوات في أننا لم نسمح لهذا الواقع أن يحرمنا بسمتنا، وضحكاتنا، وزغاريدنا
مثال رابع
الخيال: في مسيرة الأدب كانت المهام تتبادل كي يظل لهذا الأدب وهج في حياة الإنسانية. فمرة نسمع عن كاتب القصص، وتارة نسمع عن راوي القصص، وهناك السامع للقصة، وهذه الأدوار ليست ثابتة، فالكاتب يتحول لراوٍ سمعي وبصري للقصة، والسامع قد يصير يوما كاتبا بتوافر شرط الشغف والخبرة في متابعة القصّ كحرفة وهواية معا. ولعل سماع القصص من الهيئات ما فوق البشرية التي اتفقت على فاعليتها في تغيير السلوك وتهذيب الروح وسلوان الخاطر؛ المنهجيات التربوية مع الرسالات السماوية. فالقصة سواء أكانت من الواقع أم من الخيال تمتلك "هزّة النور" ذات السحر التي تنقلنا إلى عوالم لم نشهدها من قبل، ندخلها ونحن فرحين آمنين طالبين للمزيد والمزيد. فدمج رواية القصص في أبجديات حوارات الحب سيكون مصدر إثراء ونضج، وسنصل من خلاله إلى ما نعجز عنه بكلماتنا البسيطة؛ شريطة أن نحسن اختيار القصص التي تلائم لحظة ما نعيشه
مثال خامس
الحب في ذاته قضية: عندما أحب الأدباء كتبوا، ونحن قرأنا.. ثم تحدثنا! المشاعر القوية تستحق حديثا خاصة يليق بجلالها وجمالها معا. وعندما نضع الحب أحد محِثات التفكير الإنساني، سنضع أيدينا على نماذج مدهشة لكيف حرّك الحب العقول الخاملة والوجدان البليد؛ لتمنح أفضل ما لديها من إبداع وابتكار تسبب في السعادة والرفاهية. كيف نشعر بالعاطفة، وماذا ننتظر منها، ولماذا نتمسّك بها مع الطرف الآخر تحديدا دون غيره، ومتى ننتقل إلى المراحل المتقدمة المتكيِّفة لهذه العواطف، وأين يكمن الخلل في أننا لا نشعر أن عواطفنا تملأنا بالكلية..، كلها مجريات للعواطف من شأنها أن تحدث انقلابات غير آمنة لو لم يتم التعاطي معها بمنطق الحديث والحوار. نحن نتحدث عما يعنينا، أو يشكّل فارقا جوهريا لنا، أو نؤمن أنه يستحق منا التوقف؛ أفلا يستحق حبنا أن نوفر له وقتا كي يثمر ينعه، ويؤتينا أكله
إزالة الغموض الخامس: إن الحرص على إيجاد الفرصة المناسبة للحديث عن العلاقة التي تربطنا مع الآخرين، كالصداقة، والزواج، والزمالة، لذات العلاقة لا لشيء خارج عنها، لمن أهم المقومات لديمومة هذه العلاقة، ولتصير مصدر بهجة واستقرار وأمان بالنسبة لنا ولمن نرتبط معهم بهذه المرتبات المتعددة من العلاقات، فكريا وشعوريا، كل يوم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )