العلاقات الاجتماعية تبدأ من :أنا -3-

(3)


اسأل.. ولا بد من أن تجاب

السؤال الذي يتأكد بقوة حول : لماذا "نحن"، البشر، بحاجة لبناء علاقات اجتماعية سليمة وصحية، هو "المحدِّد" لكل ما يدور في هذه العلاقات من مدٍّ وجزر، وإلى أن تستمر بسلام، أو تنقطع بهدوء
وبكل شفافية، نعلن أننا نريد العلاقات الاجتماعية الناجحة لأننا في حاجة : للحب، للاحترام، للتآزر، للتعاطف، للتفهم، للحوار... لكل تلك الميزات الفريدة التي طُبعنا عليها لنكون أصحاب التكريم الخاص في نيَّة الخَلق وتركيب المخلوقات
والنتيجة البديهية التي تأتي بعد تقرير هذا الإعلان: هي أن نؤمن بأن أي علاقة لا تُحقِّق لنا ما نحتاج إليه؛ فإننا ، ومن باب أولى، لسنا بحاجة إليها، ويجب أن لا تخوننا شجاعتنا في اتخاذ القرار بالخروج من هذه العلاقة فورا
ولكن، وقبل اتخاذ موقف الحكم بالإبقاء على العلاقة أو مغادرتها؛ فإننا لابد وأن نعي مبدأ خطيرا ويشوبه الالتباس بشدة: وهو أن أكثر العلاقات الاجتماعية تفشل لأن "الهدف" ثم "طريقة التعبير عن الهدف" مفقودان بالكلية في لغة التواصل، أو غير واضحيَن عند الأطراف المشاركة في أي علاقة اجتماعية
إذ لا يكفي أن نعرف نحن ماذا نريد من علاقاتنا الراهنة، بل؛ لا بد أن نتأكد من أن الطرف الآخر عارفٌ ، وواضح لديه دون أي لبس ماذا نريد سويا من هذه العلاقات!
وهنا يأتي دور مهارة السؤال: أسأل ماذا تريد.. فإما أن تأتيك "نعم، الإجابة" فتستمر، أو "لا، الجواب" فتغادر غير آسف ولا محزون

أكبر قليلا من الطفولة

من السلبيات التربوية الشائعة، أننا لم نتعلم ونحن أطفالا كيف نطلب "الحُبَّ"! قد نبكي، قد نضحك، قد نشكو، قد نعطي شيئا ، قد نجلس بجوار الشخص الآخر؛ ولكن كل هذه السلوكيات هي "إيحاءات" الحاجة لشيء ما، وليست "الطلب" الفعلي له
الحاجة الواضحة في النفس لا بد وأن يعقبها سؤال واضح، وجواب واضح. وهذا يعني الاعتراف بأننا قد نضجنا اليوم، ولسنا أسارى سلوكيات الطفولة، وعندما نود من شخص ما أن يمنحنا شيئا نعتقد أنه يملكه دون العالم؛ فعلينا أن نتوجه بالسؤال إليه مباشرة ، وبوضوح، وبقصدية، وبعبارة محددة وموجزة: أريد الحب!
ويتبع هذا السؤال؛ جهدًا نبذله لتنظيف أفكارنا من مناوشات صغيرة قد تفتّ في شجاعتنا فتُجبِننا عن السؤال ، من مثل: أين كرامتي؟ ماذا سيقول عني؟ كيف سيستقبل طلبي هذا؟ كيف سينظر إليّ بعد ذلك خلال الحياة؟! هذه كلها أوهام لا رصيد لها في العلاقات السليمة التي تهدف إلى أن تعيش أطول عمرٍ متوقع بين أطرافها
وعلى الجانب الآخر، هناك اعتقاد مزيف يقطع التواصل السليم بكل أشكاله ويدمر العلاقات في أقصر مدى؛ وهو أن نكرر مخادعين لأنفسنا: أن الطرف الآخر يجب أن يفهم ماذا أريد دون أن أطلب.. هذه مهمته! لا، ليست هذه مهمته مطلقا! إن الطرف الآخر ليس من مهمته أن يكون محلِّلا نفسيا يدرس الحالة من خلال الصمت، ولا عرّافا يرجم بالغيب، ولا أمًّا تشعر بنا لأننا كنا يوما بين أبعاضها؛ إن الطرف الآخر هو كائن مثلنا يحاول أن يتفاهم معنا لننجح معا، كما أنه لديه هو كذلك مطالبه التي آن لنا أن نسمعها منه واضحة ومباشرة كذلك
إذا لم تصرخ من الألم فلن يعرف الطبيب مصدر وجعك
 وإذا لم تتحدث فلن يعرف صديقك كيف يهوّن عليك الأمر
 وإذا لم تسأل فلن يدرك شريك حياتك ما الذي تريده منه تحديدا
إزالة الغموض الثالث: "السؤال صنو الجواب"، أسأل بوضوح، مباشرة، باختصار عن: ماذا تريد!، وستُجاب "بالحبِّ" الواضح والصريح والواثق

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )