مجتمعات الكتَّاب ومجموعات الكتابة

هناك نوع من الشيزوفرينيا المحمودة في أخلاقيات الكاتب؛ وهو أنه لا يستطيع أن يرى أخطاءه إلا من خلال رؤية أخطاء الآخرين الذين يكررونها لكي يعدِّل أخطاءه هو. إن هذه الميزة من التطهر الجمعي تقدمه لنا مجتمعات الكتابة، أو بمعنى أدق الاشتراك في مجموعات/ مجتمعات الكتّاب المتمثلة في الأندية والرابطات والمقاهي ذات الصبغة الثقافية أو المجموعات المحددة المتولدة عنها
لقد انتشرت الفكرة العفوية لهذه المجتمعات المتخصصة مبكرا في مسيرة الكتابة، لا نعرف تحديدا أول مجتمع كتابي تم إنشاؤه وكيف كان ، وهل كان قرارا ارتجاليا من مجموعة من الكتاب، أم أنه أخذ طابع التنظيم والرعاية من قبل مؤسسات أعلى في الدولة، ولعل هذا يكون مسارا خصبا لمسارات البحث في التاريخ الأدبي لمجتمعات الكتَّاب عبر العصور
ولكن في التصور العام فإن الغاية والدوران في هذه المجتمعات كان واحدا؛ أنها مجتمعات ينتمي لها الكتَّاب سواء أكانوا محترفين أو هواة، وفي أي نوع كتابي، وبأجيال متعاصرة ، يجمعهم السعي وراء تغذية الشغف الاحترافي الكتابي. وعبر المجادلات الأدبية، والنقد والنقد المضاد، والقراءة المتأنية لنصوص الأعضاء، تظهر الفائدة المنعكسة لهذه المجتمعات لا على الكتَّاب المندمجين بها وحسب، بل على التقدم في الأداء الكتابي لهذه الأمة وعلى حفظ مخزونها الثقافي وهذا هو الأهم، فالأمة التي لم يكتب عنها كتَّابها قصصهم وكتاباتهم، أمة لا تملك برهانا على عبورها حركة التاريخ
الأعداد المرفوعة إلى القوى المضاعفة

خطابات السلوك الجماعي

أولا: النقد+1

ماذا لو أننا استبدلنا بكلمة النقد؛ كلمة "التغذية المرتدة"، هل كانت لتكون الأنسب في حيز تبادل الانطباعات بين كتابات الكتَّاب أنفسهم؟! هذه هي إذا؛ فالكاتب في خضم العمل أو بعد إتمام إحدى المسودات، وقبل خروج العمل من يده إلى تشطيبات الناشر أو عقول القراء؛ يكون في أشد لحظاته حسما وشفافية للحصول على تقييمات هادئة وموثوقة على عمله. إن الحصول على مشورة الأصدقاء غير الكتَّاب لا يكون بدرجة أن تحصل على الحوار الفكري مع الوجه الحقيقي لمهنتك ككاتب. لذا يُنتظر من مجتمعات الكتَّاب أن تقدم التغذية السليمة لأعضائها قبل المجتمع العام، وأن تعزز لدى الكاتب في كل مستوى أثناء بناء العمل؛ أن تعزز لديه شجاعة تقبُّل النقد، والجدوى المرجوة من إعادة تنقيح العمل والسعي به نحو الأفضل

ثانيا: الدعم +1

لا أحد يعلم بحجم المعاناة التي نخوض فيها قدر من ذاق وخاض ونجا! هذه التصحيحية الملزمة لما يمكن أن تقدمه مجتمعات الكتَّاب للكاتب. إن الكاتب ينغمس في مأساويته ليخلق عالما غير موجود إلا في فكرته هو وعاطفته وحده، لذا قد ينحرف جانب التعصب لعمله حتى لو كان ضعيفا، أو قد يشعر على النقيض من ذلك بالرفض لكل ما كتب حتى لو قطع في كتابة عمله سنين!! والحفاظ على إبقاء الكاتب في المنتصف السليم من زوايا عمله الحرجة، هي من مهمة أصدقائه من أهل المهارة في الكتابة. إنهم يمنحونه الدعم والتشجيع، ليستمر في صراعه مع الاستمرارية. فالحوار بين أهل الاختصاص الواحد، وعبر النقاط الخالية من التفسيرات، والخروج من منعطفات الرأي الواحد الأوحد، تؤسس لبناء بيئة تفاعلية نشطة حول الكاتب تثري رؤيته للعمل الذي هو في صدده

ثالثا: المراجعة +1

أن يتطوع الكتَّاب فيما بينهم لقراءة أعمالهم المنتهية قبل خطوة النشر، وكتابة المراجعات عليها لهو خطوة هامة في انفتاح الكتَّاب على بعضهم من جهة، وكي يتيسر الوصول إلى الناشر الذي سيقتنع أكثر بنشر العمل عندما يرى عليه قراءات ومراجعات من كتاب آخرين ذوي شأن. فالفارق في وجهة التركيز ما بين الكاتب والناشر، يعرفه كلا الطرفين؛ فالكاتب يغلب عليه الهوس بخلود العمل، في حين أن الناشر يبحث عن التسويق العاجل. إن الكتَّاب يفهمون أن وأد هذه الهوة بين الطرفين ؛ هو من عمل المراجعات المتأنية التي يقدمونها على أعمال بعضهم البعض

رابعا: التسويق +1

هل تقدمت بنشر عمل لك لدى دار نشر فوجدت أن من شروط التعاقد شرطا ينص على
يفضِّل أن يرشِّح الكاتب أسماء النقاد والكتاب الآخرين لكي يتم إرسال النسخ لهم، والمنتظر أن يكتبوا حول العمل بما يساعد على تسويقه في بيئاتهم!
 فأنت ككاتب لا تنتهي مهمتك بتسليم نسخة فائقة الجودة للناشر، بل إن علاقاتك مع الكتّاب الآخرين وتعاونهم معك في كتابات مقالات حول كتابك، وأن يكونوا أول المشترين له ، وأن يذكروه في أحاديثهم الجدلية فيما بينهم، كل هذا يضمن تسويقا أعلى للكتاب عند الرأي العام الذي يحكم قسما من اختياره لعملية شراء الكتاب ؛ ما كُتِب عن الكتاب في الجرائد ومواقع الإنترنت، أو ما أحدثه الكتاب من ضجة لدى صدوره
واليوم في عصر الإنترنت، انتقلت مجتمعات الكتَّاب لتحتل وجودا افتراضيا على الشبكة، نجدها في كل مجتمع وبلغات مختلفة، وغالبا ما يكون الانضمام إليها مجانيا ودون ترشيحات، وهذا يحقق ازدهارا أكبر لخبرة الكتابة . إن الانضمام إلى مجتمعات الكتَّاب يُكسِب الكاتب سمعة وحضورا، كما أنه أشبه بالتسجيل في دورات مفتوحة ومركزة حول الكتابة، ومن المؤكد أن سعي هذه المجتمعات سواء أكانت ذات وجود مادي أو افتراضي، إلى أن ترفع من نفسها عبر الإثراء في الطرح والنقد والدعم؛ سيحقق تكاملا للمجتمع الكتابي الذي لا بد وأن يدفع بنفسه نحو تبني أساليب متجددة لإنماء النشاط الكتابي بين أعضائه، والمتابعين له، وللمجتمع الثقافي بكامله Share

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )