تجربتي الكتابية


     هكذا الأمور تسير في عالم الكتابة .. ترحال لا ينقطع بين تجارب بألوان شتى :عاطفية ، فكرية ، نفسية ،وجودية .. هي كل التجارب المتناقضة التي يعيشها الإنسان ابتداء من مكانته في الكون وحتى مصيره فيما بعد الموت ،ولعل العبارة الأبلغ في وصف كل كاتب ، أنه تجربة كتابة قد تفشل وقد تنجح ؛ولكن الفشل فيها مفيد ، والنجاح فيها عزيز.
إن تجربة الكتابة –بصرف النظر عن مقصدها- لابد وأن تعزز بمقومات ثلاثة تقتسم ملاحظة الكاتب وهو يعيش تجربة الكتابة ،أولى هذه المقومات : توافر الكاتب على "هـمّ" حقيقي يعيشه ،إن سمو هذا الهمّ وربطه بقضية إنسانية يفسح أمام الكاتب فرصا فريدة في الوصول إلى كم أكبر من المعلومات أو التوصيفات حول "همّه الكتابي " ،إنه يتحول بالكتابة حينها إلى أشبه بقضية يجمع لها الأدلة والتقارير والمعطيات التي تجعله في النهاية يؤرخ لميلاد حركة اجتماعية أو فكرية في نصوصه ، وهنا نذكر على سبيل الذكر لا الحصر الكاتبة هارييت بيتشر ستاو صاحبة رواية كوخ العم توم ،لقد أحدثت هذه الكاتبة ثورة في مجتمعها رغم أنها أم لستة أطفال وربة بيت وحسب ،ولكن أرقها المتواصل حول همّ الرقّ وتفاقهم مشاكل العبيد في المجتمع الأمريكي ، حدا بها إلى كتابة هذه الرواية التي ما لبثت أن أصبحت المحرك الدافع إلى منع نظام العبودية في الولايات الجنوبية من أمريكا .
أما ثاني المقومات فهو " الذاتية " فنحن نقول بأن لكل كاتب تجربته الكتابية الخاصة ، مما يعني أن الذاتية هي التفرد أو الفردانية التي يجليها الكاتب خلاله نصه ،وما لم يشعر الكاتب بالاتحاد وجودا ومصيرا مع نصه المكتوب فإنه لن يتغلب على فجوة الغربة التي ستظل تتسع بشكل يفقده حيوية النص فيخرج منه النص مفبركا يحكي تجربة شوهاء لا تستمد بقاءها حتى من الجهد الذي بذل فيها .إننا وإن كنا نقرأ نصا ننتظر منه أن يحاكي ميولنا كقراء إلا أننا لن نغفل أننا نقرأ ذاتية الكاتب فيما نقرأ ،فإذا لم يستطع أن يبرز لنا هذه الذات الكامنة في ترتيب العبارات ، ومناقشة الأفكار ، وتنظيم العمل ؛ فإننا لن نستطيع أن نتلمس خبرة الكاتب في بناء نصه .
ثالث المقومات هي " التنقيح والتصحيح " ، إن التجارب في العالم المختبري تقوم على الخطأ والصواب ومعاودة التجربة مئات المرات حتى تظهر نتيجة يمكن تسطيرها والتأريخ بها .والأمر لا يختلف في الكتابة كونها جهد بشري يعتريه الخلل والنقص مالم يتم تعاهده بالتصويب والإعادة تكرارا ومرارا ، ولا يجب على الكاتب أن ييأس أو يفتر عزمه من هذه التنقيحات المتواصلة لنصه ،فعملية التنقيح قد تستمر معه مسيرة حياته لكل أعماله إذا كان يريد لها البقاء والطبع المتكرر ،ولعل آرنست همنجواي يقرر هذه الحقيقة حين يذكر أنه قد أعاد كتابة روايته "وداعا للسلاح " 39 مرة قبل أن يعتمد الصورة الأخيرة لها ! إن الكتابة هي صنعة الوفاء ،الوفاء للقارئ ،والوفاء للقلم ، والوفاء بأمانة الموهبة النورانية التي أودعها الله روح الإنسان الكاتب (علّم بالقلم ،علّم الإنسان مالم يعلم ) .
ولعل ما يساعدنا على تأسيس تجاربنا الكتابية التي تؤرخ لتطورنا الكتابي ؛ أن نقرأ ماذا يقول الكتاب الذين حازوا السبق في عالم الكتابة عن تجاربهم الكتابية الأولى والمستمرة ،فالتجربة تبدأ منذ أول شارة قلم في حياة الكاتب ، ثم تنعقد مع كل عمل ينتجه حتى ليخرج لكل نص تجربته الخاصة ،ومن الكتب التي تتناول هذه التجارب : كتاب ( مع كتاب نوبل : حوارات نادرة ، حسين عيد ) ، والكتاب الأهم ، كتاب ( في تجربة الكتابة ،تأليف :س .ر.مارتين ، وترجمة : تحرير السماوي ) .
هنا مقال كتب حول  الكتاب الأخير يستعرض بعض ما فيه :


والآن ،بماذا تلخص تجربتك الكتابية ؟ إن كان لديك قصة لتحكيها لنا فبادر إلى كتابتها في التعليقات على هذه المداخلة ،وليكن معلوما لديك أن كل كتابة ماهي إلا قصة تروى ... شكرا مقدما

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )