عودة إلى الأسئلة


      عندما يكون لديك سؤال تطرحه فإنك ولابد تمتلك الكثير من الأفكار التي تستحق أن تكتب عنها ! .
إن مهارة طرح الأسئلة من المهارات الشائقة والشائكة التي يحتاج أي كاتب إلى إتقانها . إننا دوما ما نركز على أن الكاتب يجب أن يدرّب خياله، ويوسّع قراءاته،  ويراعي قواعد الكتابة التحريرية في القواعد والإملاء، ولكننا نغفل أو نتغافل عن االإجابة المباشرة والصريحة على سؤال ( ماذا أكتب؟ ) ذلك السؤال البدهي الذي يطرحه أي كاتب - ليس الكاتب المبتدئ فقط -  بل حتى الكاتب المخضرم الذي بلغ أوج شهرته واقتطعت مهاراته الكتابية سنوات طوال عبر الممارسة والتجربة، إلا أنه يظل في أرق مستمر للإجابة على سؤال : ماذا بعد ؟ ماذا أكتب ؟
إن من الفرائد التي تلازم الكتابة  أن الأسئلة التي تطرحها لابد وأن تقودك إلى أسئلة أخرى تجيب عنها ، فأنت كي تجيب على سؤال ما ، عليك أن تشتتق منه أسئلة أخرى أو تدور في فلكه بأسئلة مدارية كي تصل إلى إجابة حقيقية أو بما يقربك من الإجابة على سؤالك الأول .
هذه الاشتقاقات التساؤلية إن صح التعبير هي التي تُذكي ثورة الكتابة في سطور الكاتب، إذ ليس ثمة فكرة إلهامية تقطر فجأة في عقل راكد، كما أن تلك الفكرة المتفجرة المنتظرة لن يضوي بها عقل استمرأ  التكرار والرتابة، إذ ما لم تعتقد يقينا أن الكتابة عمل انقلابي تضطرم أول ما تضطرم ثورته ضد المألوف والمكرر والمعتاد والمستقر ، فإنك لن تقبض على خبره ولن تستضيء بجذوته .
وإذا كان إجراء العمليات الحسابية مما يحسب من رياضة العقل في جانبه التطبيقي ومما يحسب أنه يحسّن من قدرات الذاكرة، فإن مهارة طرح التساؤلات مما يعد من رياضة الروح والعقل معا، فهو ينشط الجانب الفكري التأملي في النفس الإنسانية ( عقلا و روحا ) مما يعود بالخير على اختيارات الإنسان في حياته .
وغير خاف علينا القسط الوافر من الأهمية الذي يعطيه الإسلام للسؤال، فيكفي أن نرجع النظر في الآيات القرآنية لنرى أن السؤال كان أحد روافد التشريع، وكذلك الأمر في السنة النبوية، بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم مما ينشط أصحابه على طرح الأسئلة حين يبادرهم هو بأحجيات فكرية ذات مغاز تربوية. فمن ذلك سؤاله عن شجرة تشبه المؤمن ؟ وتنبّه  عبدالله بن عمر بن الخطاب وكان ما يزال فتى يافعا : إلى أنها النخلة !
وسار الأمر وكأنه سنة كونية في استنباط المعرفة من السؤال القائم على الملاحظة؛ سؤال ابن الهيثم : لماذا تنكسر الأشياء حين دخولها في الماء ؟ و سؤال نيوتن : لماذا تتجه كل الأشياء إلى أسفل ؟ ..إلخ، وفي عالم الكتابة فإن السؤال الرئيس لا يلبث أن يصبح عنوان المقالة المكتوبة ، أما جسم المقالة فتتناول محاولات الكاتب الإجابة على هذا السؤال الأول!
على سبيل المثال كثيرون قد يكتبون تحليلات اقتصادية و سياسية حول الأزمة العالمية الحالية أو المتوقعة، ولكن من سيتمكن من طرح السؤال البسيط : كيف أقوم  أنا ( كائن بشري من ذوي الدخل المحدود ) بإعداد قائمة مشترياتي الشهرية أو الأسبوعية ؟
أو قد يغالي كثيرون في مناقشة التغير المناخي وأضراره الكارثية على الغلاف الجوي والغطاء النباتي والنمو البيولوجي للأحياء على سطح الأرض، حسنا ! ولكن من سيتمكن من طرح سؤال أبسط : هل سأرتدي النظارات الشمسية  والقبعة العريضة  و أدهن جسمي بمستحضرات الوقاية من الشمس طوال اليوم ؟ قد يبدو هذا السؤال مضحكا ولكن تذكر أن النظريات الكبرى التي غيّرت وجه الحياة البشرية إنما بدأت من تلك الأسئلة اليومية البسيطة .. المهم هو أن تسأل وأن تظل تسأل .
من الآن فصاعدا اجعل لك مذكرة صغيرة خاصة بتدوين الأسئلة، اكتب كل الأسئلة التي تخطر على بالك، بل إن كل سؤال مهما بدا لك صغيرا أو بديهيا قد يحمل في داخله نواة أطروحة كتابية ذكية هائلة بتعداد البشر الذي يتسائلون  كل يوم على هذا الكوكب! ثم خصّص يوما في نهاية الأسبوع، لتنقيح هذه الأسئلة لتختار أكثرها  قلقا بالنسبة لك ،أي السؤال الذي  يجعلك تعاني من الأرق ليلا رجاء العثور على إجابة له، وتأكد أن ذلك  السؤال ذاته هو الذي يحمل في داخله السبق الكتابي الثوري الفريد الذي  سيضج به فكرك .. ثم قلمك !

( ماهي الأسئلة التي تطرحها على نفسك كل يوم ؟ والآن ، وقبل الآن ، ودائما ؟ ربما لو طرحتها هنا قد نجد لها جميعا نصا أنيقا نلبسها إياه .. شاركنا هذه الأسئلة الأكثر إلحاحا من وجهة نظرك في يومنا المعاصر وسندخل جميعا في الرحلة البحث عن إجابات لها ... شكرا مقدما ) 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )