تُرَى من سيستهزئ بهم

 




أكثر النماذج الإنسانية لؤمًا؛ تلك التي تجعلك "تستهزئ بنفسك" مدة وجودك معهم، ثم يتركون فيك وخز الاستهزاء بذاتك حتى بعد خروجهم من حياتك. 

لقد بنيت لهم العظمة بقدر ما أنقصت من نفسك! وقد كانوا يهزأون بك حين تركوك وشأنك تعيش "الوهم" فيهم. كانوا أبطال روايات لا يقرأها إلا أنت، وكانوا النجوم في سماء منخفضة لا تظل سواك، وكانوا الحب في وقت شحّ فيه الحب حتى عن نفسه!

الغريب أن هؤلاء الذين تظن أنهم التعويض عما تفتقر إليه من الحب، هم ،هم، الذين يسقونك مع الحب سخرية مريرة من قلبك، وعقلك، وأيامك فيهم، ولم أقل معهم، لأنهم - على الحقيقة- ليسوا معك، فأنت وحدك مَن تحترق فيهم، ثم لا يصبون عليك ماء السقاية!

نفوس هؤلاء، الذين غلبوك على أمرك سخرية، ممتلئة بالفقر حد التسول. يبحثون عن وجوهم في عيون الآخرين، فإذ  بهم يصادفون مرآتك صقيلة وأصيلة، فيتسللون عليها، ويتسلُّون بالمساحات الفارغة فيها، حتى ليزحموك رويدا رويدا فتوشك أن تختفي من مرآة ذاتك. 

أهل شحاذة الحب! غريب هذا الوصف، ولكنه في حقهم علامة دالة عليهم. فحيثما وجدت من يلهث خلف الحب على غاية أن يهبه الحب ما ليس لديه، فاعلم أن كل خداع العالم مكنون في صدره، وحاضر في نيته، اقترب منه فقط وستجد ما أقول!

المرير في ختام الأمر، أنهم يستفيقون منك، هكذا يهيئون لك: بأنك صرت الجاثوم في حياتهم الهادئة! فيهربون من حياتك  هذه المرة علنًا لا كما دخلوا خفية على أشفار عيونهم. 

قد تشعر بادئ الأمر بالغدر، بالغضب، بالرغبة في فضحهم أول ما تفضحهم أمام أنفسهم الجبناء! ولكنك لا يمضي غير قليل حتى يسقطون من حسابك، بل ترى أن كثيرا عليهم خاطر من ذكرى لا يلبث أن يخنس بالاستعاذة من الشيطان. 

ولكن المؤلم، بحق، هو ذلك الغلّ العقيم الموروث في نفسك تجاه نفسك: تصير تهزأ بقلبك الذي ظننته لن يختار لك إلا أصلح الناس للحب، كما تهزأ بعقلك الذي ملأته ثقافة فأكل عليه النفاق وشرب، ولا يترك الاستهزاء من ذاتك منفذا حتى تشيح عن غايتك العليا التي هي حصيلة مبادئك في حياتك كلها، وما أشد أن يتنكب الإنسان لمبادئه العليا؟!

فاحذر متسولي الحب لأنهم المستهزئون بك وبه- على حد سواء-

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )