أي شيء هو الحب





 أنا لا أفكر ، أنا أحب!

هل تصدق أن كاتب هذه الكلمة هو عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وأنه كتبها يشكو لزوجته اشتياقه إليها مدة سفرها ثلاثة شهور، تركته في مصر وسافرت إلى باريس تحت تأثر عارض صحي لطفليهما. 

هذا الحب الذي لا يرى عميد الأدب العربي خريج الأزهر والجامعة المصرية، بأنه من العيب أن يعترف بتأثيره القوي على قريحته الأدبية، بل وعلى انهمار الأفكار عليه إذ يكتب ويدرِّس ويفكر للعالم والثقافة العربية بكاملها. 

الحب لا يكسر الكبرياء، كما يظن جهلة الجاهلين بالحب، بل إنه يصطفي أعلى ما في كيان الرجل ، الرجل بحق، ليشعل كرَمًا صافيا من المروءة تطبع أفكاره ونظرته للحياة.  الحب يملؤك بمن تحب، ليتبدى هذا الامتلاء بل الاحتفال، بالغزير من الكتابة، والعفيف من الأفكار، والجزيل من المعجزات التي جٌعلت لمستوى البشر. 

فليس بعجب إذن ، أن نكتب إذ نحب، وأن نرتل الشِّعر إذ نحب، وأن نرسم إذ نحب، وأن نلوّن ونركض ونتحدث..كله إذ نحب!

بل لعلي أخال أن شيئا من هذه التصرفات لن يكون معجِزًا حلوا إذ يخلو من الحب، ابتداء وامتدادا. 

تصادف في الحياة أناسا يدخلون بك القسوة التي اعتادوها، إن أحلامهم تقصر عن تلمس الإشعاع الذي يبثه الحب في القلب إذ يكتوي القلب به. هؤلاء مساكين ، مهما تسولوا من عاطفتك/ حبك، فإنه سيمضون فارغبن إلى مٌهلة من العيش وحسب. 

وإذا كان نادرا أن نرى من يحب بحب، فإنه من نادر النادر أن نجد من لا يقوم أمره إلا إذ يجد الحب. 

كم بهدأ القلب إذ يحب، ويجلو أحلى ما في كنانته من لطائف لم تكن إلا له في أصل حكمة الرب تعالى. إنه -أي الحب- يٌفهِمكَ بأن الأفدار ليست على الإنسان، ولكنها له، وأن القدر الذي تجد معه قلبك مواتيا، فهو القدر الذي ينسج لك قصة حب، فعليك أن تفتح له قلبك ليكتمل بك وتنيع به. 

أكاد أفهم الآن ما كان يقال عن بعض الكتَّاب بأنهم لا يد وأن يعيشوا قصة حب كي يكتب كل بنص بنصه! ولست هنا من أنصار الكثرة، ولكنها دفقة الصدق الذي يمتطي القلب صهوتها إذ يحب. وكلما كان هذا الحب عفيفا في محلِّه، كان الإبداع فاعلا في بناء التحفة الأدبية التي تذكٍّر الإنسانية بأن في وسعها أن تحيا على خير ما فيها. 

أقوى براهين الحب أنه يكسر "الزمنية"، ويكشف عنها صفة "الغول" مما يكبت  تطلعنا إلى غد أجدر بنا. لا يحب أن يبقى شيء بعد الحب، كما لم يعد مقلِقًا بالمرة- كل ما مر بنا قبل أن نحب، فالحب له سلطة المحو والإثبات على الزمن، زمن القلب، إذ يهيئ له مساعدات الإلهام والأحلام، ولا غيرهما يحتاج إليهما القلب ليظل شابا، والإبداع ليمتد متجددا. 

كن كطه حسين في حبك، تستدعي الحب لأنك لا تعرف أن تكتب بغير الحب، ولا تعرف أن تفكر بغير الحب، وتتعرف على أعمق ما فيك من خلال الحب، لأنك لا تفكر وحسب، بل تحب، دوما تحب. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )