لا أصعب من الموت اليتيم !

Death of a sales man..Preparations

( حين لا تودِّع ولا تَستودِع!)

إننا لا نهرم حين تطال بنا السنون ، ولكننا نشيب أضعافا كل مرة نفقد فيها شخصا عزيزا !
حين نودِع الماضي أناسا عاشوا أولى خطواتنا على الأرض ، نكون قد استودعنا طفولتنا الذكريات !
حين نمحو من نداءاتنا أسماء لا ترجع علينا إلا بالصدى ، نكون قد دخلنا فراغ الأمنية !
حين تكتب الروح اعتراف الوحشة من موت القريب أو غربة البعيد ، نصير في مهب الأخسرين أعمارا!
حين نبحث عمن كان يقرؤنا .. يبتسم لنا .. يربت على خوفنا ..يجزينا بالكلمات الدافئات ..يُمنِّينا بالآمال الواسعات ..يحدِّثنا عن أنفسنا ..يتكاثر في أحلامنا ..يلاعب همومنا فيعرِّي جبروتها ..يُذكي تحدياتنا فتغيب ظنون فشلها ..يبسط الحكاية ذات الرداء الأحمر ليجعل للوعي أضحوكة متجددة يقوى بها خيالنا وتستوي على أغصانه تجاربنا ...
حين نبحث عن ذلك الواحد المتمثل في مجموعهِ وحدة الكلمة ( الحبّ) ، فلا يعود علينا الانتظار بشيء سوى السراب ..
ندرك على حين يقين أننا قد كبرنا ، وهرمنا ، وما عاد لدموعنا صدر يجمعها ..!
***************************
الموت أكبر مراحل الوعي التي يصلها الوجود الإنساني ، ففي حلوله تنكشف الحياة عن مكنونها الأزلي : هي بعض من الغرور وأنصاف من الحقائق ! فما من قائم في لهوها إلا وهو على شفير الوهم يصرخ في جبال السكون ، ولا من قاعد عن حربها إلا وهو على جناح السلامة يأمل في الكفاف ..
تتزيّى – الحياة- لنا بأقنعة من نحبّ ، حتى إذا فارقونا في عجلة الأجل المحتوم ، أصبحت هوياتنا شوهاء فارغة من الوجود ، فبطاقاتنا لا تحمل تعريفا بنا  ، فالأبّ والجدّ والقبيلة ، مثنويات طواها النسيان ، فمن يقوم معنا بالقسط حين يُعوِزنا الظلم إلى شاهد يعرِّف عنا في محكمة الأغيار  !؟
من يخبر الزمان عنا أنا كنا صغارا في الأناشيد ، عظماء في الأحلام ..
من يخبر القدَر عنا أنا كنا نعدّ للغد المتوقع أهبة السعي والجدِّ والطموح ..
من يخبر العالم عنا أنا كنا نلوِّن الجمال الأخضر على خارطته ..
من يخبر التاريخ عنا أنا ما فتئنا نردد : أن القادم سيكون لنا ، فلْيبرِ أقلامه فإن لنا مع المجد مواعيد ذات مواجيد!
حين نفقد من نحب يغيب الشفق عن آخر النهارات  ، فالغروب يبيت سباتا لا ينقضي ليله ، والفجر لا يتشقق إلا عن مزيد من يأس الوعد وإيعاد المستحيل ..!
حين نفقد من نحب تصمت تراتيل الفداء والتضحية ، فلا تنوب بلاغةٌ عن صمتٍ في قبول العزاء ..
حين نفقد من نحب تتعثر السطور وتتشاكس القريحة مع ذاتها ومع الرموز ، فالحزن أكبر من الحرف ! هذا مالم يعترف به قلمٌ بعد !
*************************************
نزعم أننا نستشفي من الغياب بالكتابة عنه ، وأن للصبر سلطان ينهزم في تعاريج الورق ، وأن الجريمة الحاضرة في التذكّر هي الدافع لممارسة مزيد من القتل : قتل الموت ،و قتل الفقد ،و قتل البكاء !
نلملم أصوات ضائعة عبر الرماد ، نستبقي مشاعر تشاكس الجرس والحجر ، ننحت عيونا .. أفواها ..وجوها هاربة كلها من عنق الزمان .. نأبى على المستحيل أن يقف شامخا في عرصات الرجاء !
ننتظر الخيال كي ييحيي في الظلام قبسا من طيف من نحب ، نريد للأمس أن يكون راشدا فيقلب ساعته النحاسية ، نحفر في الخيال خنادق نستخفي بها من الاعتراف بالواقع : واقع أننا قد فقدنا من نحب !
الموت المجلل بالوداع أخف وطأة و أيسر مؤونة من الموت اليتيم ! ففي الوداع بقايا رشفات سماوية تنثر الوفاء وتثمر بالرضى ولو بعد حين ...
أما الموت اليتيم فلا تبرده بحار الدنيا ، ولا تطهره أذكار المرسلين .. فهو شقاء الفاقد والفقيد حين تغور بينهما طبابة ( الحبّ) ...!
*******************************


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )