أن أكتب "أنا"



Photo by Iulia Mihailov on Unsplash



الكتابة! تلك الغيمة الجميلة التي لا تغادر روحك متى ما سقتها أول مرة. أيه! ماذا أيضا أكتب عن الكتابة، يخيل إلي أن هذه المدونة هي أكثر مدونة على الويب حظيت فيها الكتابة بالكتابة عن الكتابة!! 
كتبنا أن الكتابة شفاء.. كتبنا أن الكتابة تحرر.. كتبنا أن الكتابة حوار.. كتبنا أن الكتابة هي الكتابة وكفاها، فما تجربتي الجديدة مع الكتابة؟!
إن ممارسة الفعل على مدى السنوات لا تبقيه على حاله، حتى لو أنك كفاعل لم تسعً إلى التجديد، إنه شيء من فعل الروح المتنامي، فكيف والحرفة التي تحترفها هي حرفة الروح أولا وآخرا! الكتابة إيحاء وإلهام وإلقاء في القلب، أليس هكذا هي الروح في عالمها الخالد.

في الكتابة لا تكتف بأن تتصالح مع واقعك الذي لا تستطيع أن ترفضه، لا، بل إنك "تفرض" صوتك عليه فرضا حتى لو كان يرفضك! هذا الرفض المتبادل بينك وبين واقعك يؤول في الكتابة فلسفات من التأويل، وإعادة النظر، وترتيب ردة الفعل. 
عندما تعتاد أن تكتب كل يوم، وفي كل مرة تقول "لا" لشيء يعجزك تغييره في حياتك، فإنك ترتوي من قوة الرفض حتى لو لم يحصل التغيير! 
من أخطر ما نبتلى به مع رحلة التكيف مع الحياة، هو أن مرور السنوات يزرع في وجداننا نوعا من الخنوع يعلّمنا الانزواء في عالم الأفكار، وعوض أن ننمو بأفكارنا نجدنا نصغر بها، فقط وفقط، كي نأخذ ونعطي الحياة، ثم نكذب على أنفسنا  بالظن؛ أن هذه هي خبرة الحياة!

عندما تكتب كل يوم، فإنك توقظ التفكير المعطّل في قلمك ورأيك، لأنك تضع نماذجك الذاتية على اجتراءت الآخرين عليك، ولن يتمكن لسان أن يقول "لا"، مادام القلب يخاف، والعقل جامد!
مارس الكتابة فعلا يوميا بأشبه ما يكون برسم خارطة طريق لذاتك العميقة، إنك تخاتل الظروف كي تنجو من أشواكها، وتحتال على الاضطرارية كي تتمتع بحريتك، وتعيد وتزيد في التأكيد على أنك موجود وكاف أنك موجود، دون اشتراطات من أي نوع. 

أن نترك مياهنا تأسن بفعل الحياد؛ سيودي بنا إلى هلاك الاعتبار لذاتنا! نعم، لن تتمكن من التقدم في حياتك ، بمعنى التقدم الذي هو الانتقال نحو الأفضل، ما دامت الرواسب والكدورات تعكر مسار الضوء في بصيرتك، يجب أن تجرب الشجاعة قبل أن تقول أنا شجاع، ويجب أن تعيش الحرية قبل أن تطالب بالحرية ، ويجب أن تمتلئ من ذتك بدل أن تتسول من الأحبة أن يعطوك ذواتهم.

مارس الكتابة كل يوم، حتى لو لم تكن كاتبا، لأجل أن تعرف ما هي نماذجك الفكرية والعاطفية، وكي تصل إلى أطروحاتك الأصيلة حول موقعك من الحياة، وعندما تتذوق معنى أن تطرح نفسك على الورق؛ فإنك  ستتقن -حتما- كيف تفرض نفسك على الحياة. 

هل أدركت الآن معنى ما سبق؛ من أن الكتابة هي فعل "فرض" تفرض عبره كينونتك ضد العدمية الزاحفة علينا كل يوم. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )