الإيذاء؛ آن أن يصبح قانونا





لم يعد وجودنا في الحياة يقتصر على اختيار ما هو صواب وخطأ، فضلا عن أن نكتفي بالحكم على كل ما يحدث لنا بأنه صواب أو خطأ! 
و كما استحدث الإنسان الحقيقة والخيال لتكونا علامات على نشاط العقل وخمول الروح، فإن "المعايير" كذلك هو صنعة الجهد في مواكبة أفضل ما يحمله زماننا. 
ولكن بالعودة إلى المصدر فينا، فإننا نلمس فطرةً بأن طبع الأخذ أو الترك ( الفعل وردة الفعل) مداره في وعينا على حسب ما يؤدي لنا من الحماية والرعاية، أو يواجهنا به من الإيذاء والتجني. نحن نهرب مما "يؤذينا" وهذا وحده كاف لأي سلوك من الضبط أو الأمر نسلكه.
ولسنا معنيين بتتبع أشكال الإيذاء، لأنها متغيرة شأن المتغيرات الوجودية، إنما حسبنا أن نشعر بالقدر الكافي داخلنا أننا في موقف إيذاء. 
وما يهمنا من ربط القضايا ببعضها، هو أن نتساءل: ما دمنا قد جُبلنا على إدراك الإيذاء، هل ترانا -بالقدر ذاته- نتفهم الحماية ضد الأذى؟!
إن أعظم حماية أتت معنا إلى الحياة هي أجسادنا التي نحيا فيها. لقد ارتضى الخالق أن يكون هذا الجسد هو الدرع والمهد والسكن للكينونة التي هي كل واحد منا. أنت معنى، أنت شيء، أنت كلمة، أنت روح، أنت نور، أنت لطيفة! ضع ما شئت من تخمين حول جوهرك، ففي كل مرة ستنتهي إلى أنك خفاء قد أظهرك الجسد.
وإذا كانت الأجساد بهندستها الحالية، كفيلة بأن تبقينا على شرط الوجود، فلا علينا أن نقلق بأن في إنشاء هذا الجسد متطلبات وافية لحفظ وجودنا كما استبقائه. 
إنني أدهش لمهول الأخطاء مما نتعرض له كل ساعة على الأرض، ويتصدى لها الجسد بدون قرار منا، فقد تمت صياغته لينفعل بالخطر قبل أن نفهمه، حتى على مستوى عقولنا فائقة التصور. 
لذا، فلا علينا أن نخاف لو أحسنَّا أن نفهم أجسادنا، ونحترم كيف نقيم فيها. 
شيء واحد لا يحميه الجسد، لأنه لا يفهمه، ولم يتطور ليمتلك قدرة استشعار خطره؛ إنه الفكر وَ العاطفة! وهما من فعلنا وكسبنا واجترائنا على أنفسنا. 
سيحمي الجسد نفسه ويحميك، فهل تحمي أنت نفسك.. وتحميه!؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )