كل يوم : اكتب عقلك.. ولا تغسله




umsplash.com




حين تعود أدراجك لما ظننته "غنيمتك" في عمرك، ثم تلذعك مرارة الخواء، فإنك حتما، ستقع في عشق الحاضر "الآن"!

إنه من الغريب أننا لا نعرف قيمة اللحظة التي نعاصرها إلا تكئة للهروب من ماضٍ يحفل بذاكرة رديئة عن الذات.  ولسنا في فعل هذا ببناجين،  ذلك أن كل "الآن" يصبح ترجيعا غير محبب لفكرة ما زالت تستوطننا، وتوقف إرادتنا في التغيير.

حين يقولون لي: استثمري الآن، فهذا يعني أني لم أعد "ذات أمس"، وبما أني أشتغل بالكتابة فمن غير المأمون أن أترك طحين الرحى لسنين خلت هي مذخور مادتي الإبداعية.
ومع هذا، فقد جربت أن أغتسل من البعيد والماضي والقديم.. كيف؟
دخلت أخطر تجربة يمكن لأحد أن ينجو منها بذاكرة ، ولو قليلا! لقد جربت تقنيات "غسيل العقل"، أو التطهير أو التنظيف، ليطلقوا عليها بما شاءوا من بدع وسائل التنظيف النفس-جسمانية، ولقد كانت كارثة بكل ما يحمله الوصف من مدلولات الخيبة والانهزام واللا-شيء.

أن نلعب بذاكرة العقل، ولو سطحيا، بحجة الاستشفاء من صدمات الماضي ، ثم أن يكون هذا التطهير بعيدا عن الملاحظة المباشرة من متخصصين ، اكتفاء بدورات الأون لاين التي يعقدها مدربو الحياة ( كما يسمون أنفسهم)، والتي هي دورات عامة ملقاة للبيع والشراء دون حتى جلسات مباشرة مع أصحاب المشكلات- كل هذا هو نمط من تدمير الشعور بالذات، وبدون هذا الشعور لا يفعل العقل، ولا القلب ، ولا الجسد فعلهم الذي عرفوه من أنفسهم منذ بدء أول وعي تكون في الطفولة.

ولست  هنا لأجرّم هذا وذاك من مبتدعي "تنظيف العقل"، ولكني أضع درسا في نفع "الألم المباح"  لمن يشتغلون في الكتابة، مفاده:
أننا حتى لو تألمنا من ماضينا، وحتى لو كتبتنا بالألم ، وحتى لو نشرنا النقص والتعري والازدراء لأنفسنا عبر ما نكتب، فإننا بهذا لا ننشر طاقة سلبية على القراء - كما قد يلوح لكم- إنما نحن أشبه بالوقود الذي استلهم أكثر ما في الحياة من تناقض وتضارب ليعيد فهمه وفبركته وعرضه، وهي مهارات فائقة التصور والتحسس، لا تتاح لمن يركبون الحياة بآلية التحميل والتنزيل الإلكترونية.

أنت -ككاتب- ليس عليك أن تتظهر من أي شيء فيك خارج مساحة الورق والكلمات، لأن "ألمك" هو ما يعلم الإنسانية كيف تشفى من ذاتها عبر الإبداع، وإذا كان ثمة طريق شريفة غير الإبداع لنتظهر عبرها، فلنتوجه فورا إلى إبطال "الخلود" عن الفنون والآداب، لأنها خُلّدت بسبب أن المعاناة ، والأسئلة، والطموح في الأبدية؛ كلها استشكلات الإنسان المتكرر فينا، وفي الأرض، وفي الزمن.
اكتب عقلك، ولا تغسله.. هذه أجدى مهارتك الكتابية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )