تطهير الهِبَات



Photo by Abdiel Ibarra on Unsplash



الهبات أي المواهب تمثل أعظم ما فينا من أسرار. وتكاد لا تخلو "موهبة/ هبة" من مسحة روحانية، بل لعل كل موهبة إنما أتت من عالم الروح لتعيدنا إلى عالم الروح كرة ثانية. 
لقد تتبعت ذوي المواهب العالية من شتى مجالات العمل والإبداع، بما في ذلك التقنية الدقيقة، ولقد اجتمعت فيها كلها صبغة إشراقية تتلبس روح المبدع/ المخترع/ الفنان، تجعله لا ينظر لعمله على أنه كسب عاجل، إنما هو رسالة ألقيت في خاطره من السماء وعليه وحده مسؤولية إبلاغها إلى الأرض! وهم يعبرون بهذه الكلمات الروحية، أو يدورون حولها فيما لو كانوا منكرين لعالم الروح وقوانينه برمته. 

ولكن، وبقدر ما تصبح الموهبة معراجا نحو الأعالي، فإنها قد تصبح "خدعة" الوجدان الفردي، ليدور الإنسان حول معضلاته الدفينة في عقله الباطن، فلا هو يشفى مهما مارس من هوايات، ولا هو ينتج حتى وإن اخترع الهبات اختراعا.

متى تصبح الموهبة/ الهبة نورانية ودافعة وشافية؟ 


حين لا تصدر الموهبة عن علل باطنة، ولا تولد كقناع لثأر قديم، ولا يهدرها صاحبها على كل من هبّ ودبّ؛ إذ ذاك تصبح الموهبة حكاية روح، وبقاء مباركا لصاحبها. 
المواهب وإن كانت في أول انبثاقها إنما تأتي تطهيرا للعقل، غير أنها في ذاتها تتطلب التطهير المكرر  مما حملته من إملاءات العقل، ونقصد العقل المريض بمشكلاته ، بالطبع. 

لا شيء في الدنيا يستحق أن نقدم له مواهبنا رخصا -فقط- كي يرحل عنا؟! إن العلم بالإنسان يتطور كل يوم ليهيئ لمدارس تثبت إمكانيات التشافي من أعراض الذكريات المؤلمة، والصعوبات المستحيلة، اولأكاذيب والنماذج الشخصية المشوهة، والصدمات تلو الصدمات. وحتى لو كانت إحدى وسائل العلاج يكمن في تسخير الموهبة للتنفيس عن الروح المتألمة، فإن هذا لا يعني بحال أن ترحل الموهبة بانتهاء المعالجة.

انظر إلى الموهبة/ الهبة من زاوية الدخول على الله عزوجل، كل موهبة فيك هي عتبة الولوج إلى الحضرة القدسية، وقد لا يسعفك عمرك ليوفي العبادات التي تؤهلك لشريف المقام بين يدي الربوبية، ولكن موهبتك بإمكانها أن تختصر مسافة الضوء حين تصدر هي عن الضوء بعينه.
أما الظلام، فهو يقتلها كما قتل روحك على مدى السنوات الطويلة.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )