عيناكِ أجمل ُعالم ( قصة قصيرة)





عيناكِ أجملُ عالم


عيناها غدير من الحياة يراود جنان الخلود ..
وعيناه سبيل من الألم يصهل في قلبها بمجون ..
كان بعضها الذي لايهدأ ، كما كان يوما من الكراهية تجرعت فيه مرَّ الوفاء قسرا لا طلبا !!

يطرق أحزانها صوته الذي ناوش الحياة منذ صرخة الميلاد الأولى !! فماعاد بعدها هادئا ..
لاهو من كلام الإنس فتجاوبه ، ولا هو من عواء الجن فتراجعه ...!!
(ابنتي لقد أضاعت بوصلة الحب وجهة الرحمة في قلبك ذات سفر ، فأتى الطفل نفث الكراهية اللاهب في قلبك لأبيه (...!!  
صورة البشر فيه لم تتطهر من طلاسم ممتزجة بين عهد يحكي كيف يكون الإنسان شيئا من حيوان الأرض ، وبعضا من أشباح الشّر ...!!
دموعها وهي تجاوب المعترضين على تشوّه خلقته ، لم تشفع لها أن تكون أمًّا مثالية أو محضنا دافئا !!
حملته بعيدا عن نادبة وقصيًا عن نائحة ..
هناك وحدهما في بيت صغير في مدينة بعيدة ، تموت ألسنة من يعرفونهما وتجف أصوات من يواسيهما ...
أقفلت الحياة عليها وعليه لا تريد إسعادا في الألم ، ولا رنة من الشجن ، فهي وحدها داء هذا المخلوق المسطّر في معاجم بشر ..والنائي عن صورة آدم أبوالبشر !!..

هو لم يكن يعرف غيرها ، لأنه ما أحب يوما غير عينيها ، يغوص في آلامهما كما يحلق في صفائهما ، وحدها عمره على الأرض ، ولأجلها ينتظر الحياة كل صباح فيصارع طغيان المرض فيه ، وانكماش العقل به .
تعلَّق ليلة على يديها في نافورة المطبخ ، أخذ سكينا يعالج تفاحة نضرة، أراد لها أن تلثم شفاه أمه بلهفٍ كما يقبلها هو بدفء ...
ولكن يده المهترئة كانت أبعد من أن ُتحكم الاختيار أو تصنع القرار ..
انهمرت قطرات من دمه على التفاحة والسكين .. هرعت هي تمسح دمه وتصب عليه صوتا مشروخا من الصمت ، لم يرَ غير شرر صار يتلصص في عينيها .. انفجر بقوة الصدى .. مقاطع من بكاء الشيطان ، و أشكال من نباح البَرِيَّة ... ذلك كان صوته وهو يبكي.. و حرفه وهو يضحك ..
ضمته إلى نحرها بقوة ... اسبتدلت البكاء بالصراخ ، وسدَّت الأفق بسكينة العائد إلى التوبة ...
(لا عليك .. اهدأ .. انظر كم هو جميل لون دمك !! كلون التفاحة وهي تثمل من الخصوبة !!(
ما أدرك مما قالت شيئا فالفهم بالنسبة له مقعدا لم يشغله منذ ُأذن لروحه أن تعتلي صهوة الوجود .. ولكن كل ما أدركه جمال عينيها حين تعانق فيهما الضحك والدمع ...!!
انطبعت الصورة في مخيلته لذة لم يترجمها له درس في مكتب ، ولا قانون في معمل ... ولكنه الإلهام الذي أناخته عيناها في قلبه قدسًا طاف به أطراف الجنان ..
عزم على أن يعيد المشهد طويلا ... وأخذ يحاول أن يكون عاقلا في تفكيره !!

*******************
غابت صباح ذلك اليوم ساعة عن الألم ، راحت تتمشى خلف أسوار البيت تحاول أن تلمس أرضا جديدة تحت قدميها ، و تجرب أن تسمع أصوات البشر مثلها .. فهي على وشك أن تنسى كيف يتحدث ذوو الألسنة والأحلام !!
أحست ببعض النشوة وراح عن روحها قليل من الكدرة .. فعادت إلى البيت وهي تحمل معها شقائق النعمان الحمراء تودعها غرفة المخلوق العجيب ليفوح أريجها محاكيا غرفة الأناس ...
ولكنها افتقدته .. لم تجده في غرفته ولا حيث سريره الحديدي ...
نفضت البيت بصرع ، وصرخت بكل لغات الكون بهلع ... ولكن الصوت كان ضئيلا ما يأتيها ..وعاقرا ما يجيبها ..!!
دخلت المطبخ فإذا بها تراه متشحا ببحار من الدم ، وبيده سكينا أكبها في صدره ...
زحف نحوها بفتوة وحشٍ انعتق من سجنه ... سقط عند قدميها ومد يده إلى وجهها .. بلّل شفتيها ببعض الدماء !! ففهمت ما يريد ..!! لأن لا أحد مثليهما يفهم لغة الألم ..
ابتسمت بدموع و ضحكت ببكاء .. فابتسم هو بملء الحياة وهي ترزح بعيدا في أقصى أنفاسه ...
كان ممتنا لتلك اللحظة التي جعلته يصنع شيئا ذا قيمة في حياته ..
أن يجعل البسمة في عينيها ناقوسا يدقّ ساعة رحيله ...
زمجر بتعثر واهن 

عيناكِ أجملُ عالم !


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )