معادلة ( شذرات قول )

على أرض تشبه أرضنا ، وتحت سماء سلوكها كسمائنا ، وعلى أثير هواء يكر ويفر كهوائنا ، ولكن مع بشر ربما لا يشبهون بشريتنا ، صدّ صخب الزحام كل بيت وحارة وشارع ، هذا هو الترتيب الصحيح بحسب قواعد العمران ، على أساس أن البيت لابد أن يعيش في حارة ، وعلى فكرة أن الحارة لابد وأنت تفترش الشارع أوأن ينتهي بها الشارع ، وعلى اعتقاد أن الشارع في الأصل جزء من تخطيط المدينة ! وبهذا تتعقد الأحجية ، هل البيت كل المدينة ، أم هل تولد مدينة خارج البيت !! سؤال يستحق الجدل . 
ومع ذلك فليس هذا هو مصدر الأرق الآن ، فعامل التوتر الحقيقي يكمن في أن ذلك البيت الظاعن في تلك الحارة المتربعة على ذلك الشارع والمتربص بتيك المدينة ، اعتاد أن يبعثر ضوءه نهارا ويجمعه ليلا ، على اعتبار أن مادة الكهرباء فيه مستمدة من الشمس ، فحيث وجدت الشمس فثمة كهرباء ، وبالتالي نشأ الصوت والصورة ومعها خصام البشر الذي لا يتعطل . 
ورغم أن هذه هي السُّنة الطبيعية منذ خلق السماء للأرض أو بالعكس ، إلا أن حال هذا البيت قد أثار الشكوك والاستياء بين معاشر أهل القيل ومجاور السكان  في تلك الحارة وذلك الشارع وتيك المدينة ، لأن الخط العام لكل تلك الجغرافيا المنهكة كان قائما على إحياء الليل بكل منكر ونكير ثم السبات نهارا على أصداء الشخير والفطير ،  فكهرباء أهل الجوار مصدرها مولدات الطاقة في محطة تنقية المياه المتربعة على الساحل الشمالي ، والكهرباء القادمة من البحر هي كموجه لا يُعلم متى يغور ولا أين يحور ، لأن سيده القمر ضارب في عتمة المعبد البعيد عن كل صلاة !
وبفداحة التناحر بين الأفكار كان لابد من حدوث المواجهة بين بيت الشمس ، وبيوتات القمر .. وقد كان . فبعد فشل كل استدعاءات الشرطة ليتوافق الطرفان على موعد للقاء ، كان لابد وأن تعقد المحكمة حتى يهدأ الدوران وتتراكم المياه في الآبار والغدران . ولكن الإشكال ظل قائما : ففي أي وقت يمكن أن يلتقي الجميع حتى تأخذ العدالة مجراها وتفك الطلاسم عن الشمس القمرية ! تارة يتم الاتفاق على وقت الذروة ، ولكن الترتيب يفشل لأن الذروة عند الشمس هي ذاتها النوم عند القمر . فقالوا : إذن نجتمع حين يكتمل القمر ، ففشل اللقاء كذلك ، لأنه عند اكتمال القمر تنكمش الشمس!  وهكذا ظل الأمر تداولا ، حتى استعار حكيم المحكمة من مجلدات الكلام موعد اللقاء ..( سنلتقي في اللحظة غير المنقسمة من عمر الزمن !!) ...
 وهل هناك زمن غير منقسم ! هكذا أجاب الجميع ..
اللحظة غير المنقسمة من الزمن لا وجود لها ، لأن الجزء غير المنقسم من الزمن معناه ألا توجد الشمس ولا القمر لأن بهما كان ابتداء الانقسام ، وعدم وجود الشمس والقمر يعني بالضرورة فناء البشر لأن الوجود البشري نموا وتطورا مرتبط بتحولات الزمن ، ثم إن عدم وجود البشر يعني عدم وجود البيت ولا الحارة ولا الشارع ولا .. المدينة ! لأن كل أولاء هم أفعال البشر المندثرين ! وتلاشي كل تلك المنظومة يعني استحالة وجودنا أنا وأنت كي نكمل هذه القصة !؟ 
وهنا صدر حكم المحكمة الأخير : 
يبقى الحال على ماهو عليه وعلى المتضرر اللجوء إلى الزمن !!؟

هامش المرافعة : من الجراح جرح لا يشفيه إلا دوران الزمن 

                     ومن الأحلام ما يبلغ استواءه في ضحوة الزمن 
                     ومن البشر من يولدون حين يولد الزمن 
                     ومن البشر من يموتون حين لا يموت الزمن !

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )