سؤال الفقد

 



عندما نفقد عزيزا علينا ( وهذه هي الكلمة الحق! فإننا مَن نفقد، أما هو فقد رحل كشأننا كلنا حين نرحل، فإسناد الأفعال يحكي إسناد الابتلاءات هنا!) - أقول عندما نفقد هذا العزيز، فإن سؤالا واحدا يفرش حقيقته وظلاله علينا في آن واحد: 

هل قدمنا  ما يكفي للتعبير عن حبنا له في حياته؟ ..هذا هو ما أراه سؤال الندم، بحق!

سؤال الحب يحمل قيمة لا نهائية من الاحتمالات، ولكنه لا يدخل ضمن مستحيل الحل.  إن  الندم أرق يتركنا مكشوفين تجاه تربيتنا، ثقافتنا، خبرتنا، عمرنا الذي قطعنا في الحياة؛ هل كانت كلها بواعث على بناء إنسانيتنا ووعي استجابتنا للمؤثر: الفقد/ الموت؟!

في مثل هذه المواقف، ترتج علينا العبارات، ماذا نقول؟ كيف نضخ عاطفتنا بين الكلمات؟ ولله الحمد، فإن العبارات الدينية الجاهزة من مثل: ( عظم الله أجركم، لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده بقدر مسمى، إنا لله وإليه راجعون) كلها تتبدى ملاذا آمنا، لأن كلا من السامع والمتكلم تقر نفسه بسماع المواساة أيا كانت، ولكن هل يعوض هذا عن جفاف العاطفة التي لم تكن مع من كان حيًّا قبلا؟!

نبحث عن كسر التابو في أفكارنا الموروثة، ولكنا لا ننتبه بأن تابو الحزن مستبد في قتامته داخل تجاويف أدمغتنا. إنه الهَول الذي نهرب منه لأننا نشعر أن كلمات الحياة لا تفيه وافر ما فيه من الأسى والمرارة. 

ومع هذا، لا نبلغ الكذب في شيء، حين نقرر بأن لا شيء يكسر الحزن مثل الحب! الحب عزاء عن الفقد للحي والميت معا. 

إذ عندما نتذكر كيف أننا منحنا الحب لهذا الفقيد مدة حياته: كيف قدمنا له تهنئة رمضان، ومعايدة العيد، وكيف سألنا عن حاله وأخباره حين يطول غيابه عنا، وكيف تبادلنا معه الابتسامة والمناسبة والأمنية الصادقة؛ سلوكيات الحب هذه هي عزاؤنا الخاص  داخل التعزية الأكمل. 

كم ينزل على قلوبنا بردا وسلاما أننا تهيئنا للموت بأغلى ما لدينا: أن جعلنا إنسانا ينعم بحبنا قبل رحيله. ينبثق حينها مذاق غير مسبوق لاحترام الذات ورحمة الحياة، ونشعر بأن هذه الرقة اللطيفة في قلوبنا ستفضي بنا إلى كل خير، ذلك أننا قد تعلمنا فنّ إدخال السرور على الميت. 

إنا لله وإنا إليه راجعون.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )