ما لم يكن.. لو كان




منذ العلاقة الأولى مع الحرف الأول في الكلمة الأولى من أي سطر، يقف الكاتب على معضلة "خلق الاحتمالات"! ليس ثمة كتابة جاهزة منذ الفكرة الأولى، ولا إبداع حقيقي فيما يكون قالبا غير مخدوش بالمحاولات، ومن يظن أن الكاتب يكتب منذ أول فكرة تهزه فهو في اعتقاد باطل مع مهنة كل ما فيها أنها افتراضية قبل اختراع فضاء الافتراضية الشبكية.
ومما يكون مساعدا على دفع سرعة توليد احتمالات الفكرة، هو اللعب على احتمالات اللغة في مفردات النص. فكل لفظ في أي لغة، له كينونة كلية وجوانية داخلية، تسمح للخيال أن ينشط حوله في متتابعات تحكمها مرونة اللغة وحيوية العقل. فبعض الألفاظ التي تصنف على أنها "أضداد" تحمل فلسفة الفناء والموت مما يجعل النص يتعثر ما بين البرهنة والخرافة وبعض الإيمان. أما الألفاظ التي ترضى بالترادف فيما بينها، فإن طبيعتها المتواضعة والمذهلة في الوقت ذاته تقتبس الأطر الرهيفة للأفكار المألوفة. وهكذا الألفاظ التي وضعت منذ مبدا أمرها لمعنى حافظت عليه رغم تطور اللغة وتعقيد حاجة الإنسان، وأيضا الألفاظ التي تحوّرت عن أصل قديم من لغات أخرى، مثل ما نجده من تشابه بين أصول مفردات بعض اللغات السامية، مما يوفر بُعدا تاريخيا للكلمة، أو حتى الألفاظ التي استعيرت من لغات معاصرة واستوطنت بمفاهيمها قوالب اللغة فاتسعت بها وفيها.

هذا الانبعاث من اللغة ، مفردات، ليس بجديد في حيلة توليد الأفكار، فقد استخدمته الإنسانية النشطة في بناء حديثها منذ أقدم المحاورات الفلسفية، مرورا بتعدد البيئات الحضارية، وصولا إلى عالم اليوم الذي ما تزال حاجة الكاتب فيه قائمة للأفكار الصعبة من أجل النصوص الجديدة.
حاجة الكاتب للفكرة أزلية، وواجب الكاتب في اشتقاق احتمالات الفكرة لن ينقطع، لأن الكتابة بحد ذاتها لن تتوقف ولن تتراجع عما أنجزت حتى اليوم. لكل كاتب خدعته في نحت أفكاره، وهذه إحدى الخبرات المستفادة آنيا من الكتابة كفعل ممارسة بصبغة مشقة ذات ديمومة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )