العفوية ..لم ينجح أحد







عندما نتكلم عن الكتابة كفعل لا وعيٍّ؛ فإننا نوظف مصطلحات تدور في حلقات علم النفس: كالعقل الباطن، الإلهام، الكشف، التبصر، الكمون، ذلك أن مثل هذه المفاهيم تطوي عنا مواجهة الكسل، أو التقليد، أو الجمود، أو اللا-كتابة! هذا الاسترواح بالهروب نشاط نفساني أيضا، قد نفضح مكائده في إخماد حس المسؤولية تجاه وظيفتنا الكتابية، أو أننا قد نستمرئ له أن يخدعنا، لأن الخديعة تكون لذيذة حين تكون غير مجهدة. 
لكن لو كانت الكتابة فعل وعيٍّ أي إرادة متحققة، فإن ثمة حضور لصيغ التكلف والمشقة والطاقة. وباللعب باللغة يؤول منتهى الراحة إلى قصوى المشقة: كالاستلهام، والاستكشاف، والاستبصار، والاستكناه، زيادة الصيغة تعمّق ملمس الفعل القصدي لهذه الوظائف النفس-فكرية.
هل من المهم أن "أتحضر" كي أكتب! الحقيقة أن الكتابة الأصيلة هي أن تلقي نفسك في اليمّ، ثم تغرق، ثم تصرخ، ثم لا تبتل! خذ الكتابة من نفسك عن آخرها، لا تتبع خارطة غير ما تفجره الكتابة أمامك من شجونها، لا تقل لفكرة صعبة سأكتب عنك حين تكونين أجمل! لأن جمالها في استحالة ضبطها بالكتابة. هذا الفعل المتهور بالاقتحمام على غير هداية، هو ما يترك "العظمة" في الكلمات والسطور، إنه الوصول إلى الحافة الذي يقطع خطوط العودة على الذهن المعتاد، فلا يتبين مسار الرجوع ، ويؤول كل شيء نحو اتجاه واحد هو الاندفاع وفقط الاندفاع، وعندها تتحقق لحظة الأوج في الكتابة. 
سمِّ هذا الأوج ما شئت: إلهاما/ استلهاما، كشفا/ استكشافا، تبصرا/استبصارا، كنها/ استكناه، عقلا/ جنونا، عبثا/ كتابة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )