اقتصاديات الكتابة

اقتصاديات الكتابة



       


يقيم الكاتب خلال عمله الكتابي نوعا من النظام الاقتصادي الذي يستجيب لمتطلبات لحظة الكتابة ذاتها. إن كل فكرة تنهز وعي الكاتب تنحدر عن أصل هو رأس مالها، هذا الأصل يمنحها وجودا دانيا وغير مثالي أيضا. لذا يلعب الكاتب على تناقضات الفكرة مع ذاتها، ويمنح أسهما مربِحة لعمليات المضاربة غير الشريفة بين الأقران في عقله لصالح واحدتها على الأخريات. التقابل بين ما هو كوني وغير كوني، بين ما هو مؤقت وعاجل، بين ما هو فعلي بالجهد وكامن بالقوة، يُنتِج فكرة العالم في ذاته المصغرة داخل الذات الكبرى التي هي الكاتب، حيث ما تلبث الصنعة أن تستقوى على مبدعها فور أن تمتلك أمرها بالجرأة والتعقيد.
ثمة عملية "تدوير" أولية يلزم الكاتب فيها أن يضمن حصوله على معدل ضخ ثابت من المواد الأولية لأي نص يكتبه. لقد صيغت اللغة من معجزها "الاشتقاق"، والاشتقاق لم يكن من الهواء الذي زفرت اللغة في وجدان أهلها، وإنما من "الوحدات المصغرة" للفعل الكامن في الاسم، وللاسم القابل أن يكون فاعلا.
إعادة خلق التضاريس في الخارطة المهترأة  لتبدو كما لو أن الأرض انشقت للتو وأخرجت ما فيها، لا يعني أن نأتي بخلق آخر غير الجبال والوديان والصحارى والأنهار والتراب المبثوث غبارا في أفواهنا زحمة الصيف، إنما هو الاقتصاد في الموارد المضيعة مما يتساقط منه خياله خلال رحلة الروتين الفكرية، وبعبارة "ذاتوية": اقتصاديات الكتابة هي تحقيق كل شيء إلا العدالة بين البشر الذين نفبرك مصاعبهم صدقا وزورا ونحن نكتبهم، لأن البشر هم الكائنات الوحيدة  المؤهلة لأن تتنزل مادة جيدة لكتابة لا تختفي معالمها  واقعية ورمزية ودراسة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )