مقالات في الطاقة/ توأم الشعلة (4)

 


تحدث أصحاب المعرفة عن الحب من عديد وجهات النظر، ما بين الدين وأدواء  الروح وأهل الأدب. وكان لكل طرح نافذته التي يظل منها على الحب بكونه نوع من الكَسْب في عمل الإنسان، يحسن منها ما لا يجاوز الحد مما يسبب تلف الدين والعقل والقلب. وإلى هنا، لنا أن نمتِّع أرواحنا بمخرجات عميقة لكيف تناول الحب كل فريق، عدا عن قصص العشاق أنفسهم. وإلى هنا، وعلى الرغم من السعي للحال الأكمل وهو العافية من شعواء الحب، غير أن الأمر ما يزال منضبطا وفق أن الحب: هو عاطفة تدور في إطار النزوع الإنساني الفطري. 

لكن الداهية في الحب الطاقي، إنه أخرج الحب عن كونه عاطفة فطرية، ليجعله "عبادة" تصرف لغير الله، حتى لو كان حب البشر للبشر. ذلك أن الحب في شعائر الطاقة محاط بأساطير وطقوس وثنية، هدفها التخلي عن كل سمة لتوحيد الله سبحانه وتعالى، بزعم أن الحب الطاقي لو حصل بين توائم الروح أو الشعلة أو النفس -بحسب رأيهم- فهو متحرر من كل قيد وشرط يرضاه الدين أو العقل أو العرف المجتمعي، فلا حرج أن يكون هذا الحب الطاقي هو ستار للكبائر كالزنا، أو تفلّت من الإخلاص الذي يضبط الأمان في كل العلاقات الإنسانية، وخاصة العلاقة بين الرجل والمرأة. 

الحب بين توائم الشعلةأو النفس أو الروح هو اعتراف صارخ بالرغبة في الخروج من مقتضيات الانقياد لشرع الله في الحلال والحرام، لأن أطروحات الطاقة تعتبر هذا الحب غير داخل في إرادة الإنسان، وما دام أنه غالب على الإرادة، فإن الخطاب بالتحليل والتحريم لا يتوجه إلى هذا الحب على الإطلاق، لأن قيد الحلال والحرام هو الإرادة المستقلة، وهذا الحب الطاقي يسلب الإنسان إرادته، فهو يأتيه ويأخذه من ذاته بالكلية! وكأن طرفي الحب الطاقي قد سقط عنهم التكليف، أو أنهم في حبهم الطاقي خارج قدر الله وقدرته!!

هنا تكمن خطورة الحب الطاقي على المعتقد الصحيح. فمع هذا الحب نحن نتجاوز عثرات الحب أو عذابات العشق، فإنما الشأن هنا أننا نصادف تحللا من العقيدة في أنّ: لله الأمر من قبل ومن بعد، وأن الله خالق كل شيء، وأن الله على كل شيء قدير. 

لذا، لا بد للخروج من أكذوبة الحب الطاقي، الاعتراف بكمِّ ما يشمل هذا الحب من أقاويل فاسدة تفسد على المسلم اعتقاده السليم، وتدخله في مقولات الفرق الباطلة التي فندها علماء التوحيد وأهل السنة والجماعة على مدى قرون طويلة من تنقيح أطروحات الفرق الباطنية. ونعم، إن هذا الحب الطاقي يتضمن في أبجدياته العديد من هذه الأطروحات الباطلة، وكل من تابع مشارب هذا الحب الطاقي يعلم أنه ينطلق من الوثنية والثنوية والشرك ويعود إليها كلها، فهو يتردد بين درجات قد تعمى منها بصيرة المندفع فيه على غير هدى. 

وأول ما يستعد به صاحب الحب الطاقي للخروج منه، هو أن يعلم بأنه يلزمه صير وعزيمة تدفع عنه ضعف همته وانكسار نفسه، لأن هذا الضعف هو البوابة التي دخل منها الحب الطاقي. ولسنا هنا نتحدث عن الحب الذي في أصل الإنسان، مما قرره القرآن الكريم في قوله تعالى ( وخلق الإنسان ضعيفا)، ولكنه الضعف في الفكر والبصيرة التي تخلط على صاحبها الحق بالباطل. وهذا هو الضعف الذي من واجبات الإنسان أن يجاهده في نفسه لأنه مداخل الشيطان عليه، فهناك من ضعفه من جهة حب المال، فيدخل عليه الشيطان بجمع المال من حلال وحرام، وهناك من ضعفه من جهة الهوى فيدخل عليه الشيطان بما يهلكه في هواه ما بين إفراط وتفريط. وخير حال المسلم أن يكون ذا نظر في أحوال نفسه ليتأكد له مدخل الضعف الذي قد يطرقه الشيطان ويستحكم به داخل نفسه. 

وهذه العزيمة هي التي عناها الله عندما قال: ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) سورة السجدة. 

والكثير يظن أن الدفع هو بالعلم وحده، ولكن العلم سلاح يحتاج لليد القوية التي تحمله،وإنما لا ينفع لوحده. ولهذا نجد عديد من يقعون في الهوى هو من أهل العلم - إلا ما عصم الله- لأنهم لا يضبطون قوتهم البصيرية والنفسية التي تحيط هذا العلم وتجعله نافعا .

فالشرط النفسي المتمثل في قوة النفس ووضوح البصيرة هو العتبة الأولى للخروج من الحب الطاقي وأكذوبات توأم الشعلة والروح والنفس، وكل ما تجره من معتقدات الفجور والضلال. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )