مقالات في الطاقة/ توأم الشعلة (2)

 الحبّ الخاطريّ 
(العشق، توأم الشعلة، توأم الروح)



 

 

الاستماع الصوتي:

https://www.youtube.com/watch?v=L7yj4e06qPk&ab_channel=%D8%A3%D8%AF%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D8%AA

--------------------------------------

الحب من أنبل ما خلق الله في قلب الإنسان من شعور. بل إنه التطهر لكل ما يعرض من ألم في الروح، أو انحراف عن سبيل الهداية، أو حتى شك في حكمة الوجود. ذلك أن أحق من عُبِد وأحق من دُعِي لرغب الإنسان ورهبه؛ هو بالأحق الأحق مَن ينصرف إليه كامل الحب بتمام التوحيد - وهو الحق سبحانه-.  

ولأن لكل اختبار وجهان: حق وَ باطل، صواب وَ خطأ، فلاح وَ خسران؛ فإن الحب كذلك مركَّبٌ فيه النقيضان من الخير والشر، والإنسان -وحده- الذي يرتضي أن يصطفي حبَّه ليكون من الأخيار، أو يهوي به قاع العذاب الدنيوي والأخروي معا.  

ولهذا المنفَذ المحتمَل في الحب ما بين حق وَ باطل- استطالت أطروحات الغواية مرتعها في "روح الحب" مواكبة قصة الإنسان  مع قلبه، فنجد لكل حبٍّ نصيبه من كيد الفجار لينزعوه عن بسالته فيصير سببا للضلال والغم والحزن والضنك بأهله.  

فيؤول الحب متلازمة لما يضيق بعد اتساع من حال الإنسان، وبلاء بعد عافية لروح وعقله وجسده، وفساد بعد صلاح لكل أمره في العاجل والآجل. فمتى يصير الحب مغمَزا لعقيدة المسلم الصافية فيمحو من قلبه نور الله ويجفو عن عقله وضاءة الإيمان؟! 

لقد استغلت أطروحات الطاقة ميل النفس إلى شعور الحب لتشكل منه مأساة تقع بصاحبها بعد علو إلى مهاوي تصل حد الشرك، والاستعانة بالشياطين، والتعلق بغير الله بالكلية!  

ولسنا هنا بصدد أن نرجع الأصل التاريخي لمسميات: توأم الشعلة، توأم الروح، توأم النفس؛ فكلها أعراض لعلة واحدة هي: وصول الحب لدرجة العشق المريض، وكل العشق مرض عندما يستبين لنا تحقيقه في هذه المقالات.  

إذا، مقالاتنا هنا تلخص مسار الحب في النفس والعقل والجسد، حين يفرِط ويحيد عن كونه عاطفة ليصبح "معبودا" من دون الله، بل وعبادة تصرف لغير الله تعالى.  

حينما يتم التحذير من فساد المعتقد، فليس الشأن مجرد تغيير اعتقادات وأفكار قديمة - بحسب ما يروج مدعو الطاقة- ولكن الإنسان بكيانه الموحّد الذي لا ينشطر سوى اصطلاحيا، هذا الكيان الكلِّيّ يصلح جملة أو يفسد جملة بما يحمله أحد أركانه من تصور واعتقاد. فحين يفسد العقل في تصوراته، تمرض الروح في الهواجس، ويعتلّ الجسد في الضياع وسط الممارسات الشائنة، ولا يقول عاقل خبير لحال الإنسان: بأن فساد بعضه لا يؤثر في صلاح باقيه! فهذا من أبعد الجهل بطبيعة الإنسان وخلقته المصطفاة المكرّمة كما أرادها الله. فمن اعتاد أكل الحرام، لن تجد له صحة في جسده، ولا استواء في فكره، فضلا عن جوعه المستمر لكل ما هب ّودبّ من المتع، ولو أتت كلها من حرام.  

والسؤال الذي ننطلق منه: متى يصبح الحب شرا محضا؟ 

الحب هو شعور، وعند هذه الدرجة لا خير ولا شر. ومعنى شعور أنه شيء يجده الإنسان في نفسه ميلا إلى إنسان آخر، فإن كان رجلا ألِف امرأة، وإن كانت امرأة ألِفت رجلا. وهذا مما عفى الله عنه، بل قد يحبه الله إذا تم الأمر على الزواج وبناء البيت الصالح. ولهذا أحب السلف الصالح رضوان الله عليهم زواج المتحابين، واعتبروا أن إعانة المتحابين العاجزين عن الزواج هو من الأعمال الصالحة التي يصلح بها دين المجتمع بكامله.  

وقد ذكر ابن القيم في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي قصصا لهم في ذلك، كما قرر: (ولم يزل الخلفاء الراشدون والرحماء من الناس يشفعون للعشاق إلى معشوقهم الجائز وصلهن كما تقدم من فعل أبي بكر وعثمان. وكذلك علي رضي الله ..) الجواب الكافي/ 1978- دار القلم ، الطبعة الأولى.  

 

إلى هنا، والحب خير محض. 

أما حين يتطور الحب من شعور إلى "خاطر"، ثم "هاجس"، ثم "يستولي" على العقل، فيصبح الإنسان ويمسي وهو في شغل لكيف يصل إلى محبوبه، ويعدُّ الأيام والليالي، ويتقلب في أحوال الصد والهجران والهرب والإقبال مما هو أمارات الحب حين يمرض؛ تجتمع كل المؤشرات لتقرر بأن الحب قد خرج عن حيزه المقبول ليصير "عشقا"، والعشق مرض روحي، يَدخل به الشيطان على مناط التكليف في الإنسان، أي عقله ليفسده، وعلى إرادته ليصرفها عن الهمّ فيما ينفع المسلم من أمره دينه ودنياه، فتجد العاشق كالأسير الذي لا فكاك له، يتبع هوى طائش، ولذة موهوم، ويعيش قصص الكذب فيما يظنها قصص الحب! إن الزيغ في الإدراك، والتشوش في البصيرة، والقلق في النفس، والخيبة في الظن تلو الظن؛ لهي كلها من أهم مؤشرات خراب حال العشق، ولا عجب حينها أن يصير هذا العاشق التالف نهبة لأطروحات شركية، أو وثنية، أو ملحدة- مجمعها "الوهم" الذي تمد به العاشق للوصول إلى معشوقه، ولو على صور الكفر والاستعانة بالشياطين.  

يتبع... 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )