رمال غير "العربية"

 



أنهيت كتابا مترجما، يعود زمن ترجمته إلى العام 1918، للكاتب والأديب المصري الأستاذ أحمد أمين. وأنهيت قبل مرحلة مبكرة كتابا مترجما للعام 2018، دون الحاجة إلى ذكر المترجم والناشر مع أهمية دار النشر التي صدر عنها الكتاب. 

وتعالت هذه المرة الإجابة اليقينية حول إشكالية الترجمة ما بين السابق واللاحق!

إن كلا الكتابين يسلكان في الفلسفة: تاريخها ومباحثها، وهذا يعني أن المقارنة تصح على كل الأصعدة، بما في ذلك المادة العلمية للكتابين، ولكننا نترك نقد المحتوى جانبا نظرا لأنه ليس من مجال معرفتنا. 

في الكتاب المترجم من قبل الأستاذ أحمد أمين؛ ثمة ترجمة ممهورة بروح المترجم الذي قرأ الكتاب وأحبه، بل وعشقه، فأتت ترجمته وكأن الكتاب له قلبا وقالبا. وللذين يعترضون على تعقد العربية في زمن أقدم، فإنهم سيعجبون من سهولة اللغة مع بقائها ذات رونق وموسيقية عالية، على الرغم مما هو مشهور من أسلوب الأستاذ أحمد أمين وهو أحد رواد النهضة العربية في العصر الحديث. 

إني أشعر بجفاف لغوي فاضح وأنا أقرأ مخرجات الترجمات اليوم، وخاصة في مباحث أدبية أو علمية تستحق أن تكتب بلغة أنيقة كي ترسخ من حب اللغة في نفوس القراء المحدَثين. فالمترجم اليوم، قد لعب أسلوب اللغة الغربية ، أيا كانت، في صفاء قريحته العربية، فصار يخرج لنا كتبا عربية من غير العربية! أي أنها ترجمات آلية صماء ليس من فيها من جمالية العربية المنقول إليها. ولهذا، فإن قيمة الكتاب المترجم اليوم لا تحفظها جمالية الترجمة وصدقها ودقتها -أحيانا- إنما مادة الكتاب الأصلي وعلو شأن المؤلف الأجنبي. 

ويفهم بناء على ذلك، لماذا يزداد التردي في مستوى اللغة العربية مع كل الضخ في الترجمات على رفوف المكتبات، لأن اللغة روح وليست تراكيب إلكترونية وحسب. 

قد نتجاوز في الترجمة على عبارة المؤلف الأصلي فيما لو كانت تعارض أناقة اللغة العربية، لأن الكتاب حين تتم ترجمته فإنه يصير من ذخائر الأمة المنقول إليها، ولا أحسب في كثير مما تعقد ترجمته اليوم ، ما يصح أن يؤول إرثا للغة العربية الحديثة. 

من الأفضل لو كان المترجم كاتبا! هذا هو الحل الوسط في التصدي لرداءة الترجمة من جهة، وللحفاظ على ألمعية أفكار الكتاب الأصلي من جهة ثانية. لم تعد الإشكالية أن يترجم الكتاب متخصص في نفس الحقل المعرفي الذي ينتمي إليه الكتاب الأجنبي، ذلك أن المعاجم المتخصصة العربية متوفرة، وإن كانت لعين الخبير نظرتها. ولكن ما لا يغتفر أن تخرج الترجمة باهتة بلا وجدان الأمة ولا قيمها ولا حتى معاييرها الذوقية- أدبيا- إنه شكل من التغريب مصبوعا بالعربية المصنعة غير الأصيلة، وهي عربية صارت أغلاطها الفادحة أشبه بالمغالطات الفلسفية تحتاج لمن ينقح أطروحاتها قبل البحث في اشتقاق ألفاظها. 

أعيدوا لنا ترجمة الأستاذ أحمد أمين، وإنه ليتحقق حين نخرج كاتبا ومفكرا بحجم الأستاذ أحمد أمين. وما تناولنا لاسم الأستاذ أحمد أمين هنا سوى رمزية لعربية سليمة ومفكرة وأنيقة كلُّ في واحدة. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )