مقالات في الطاقة/توأم الشعلة (3)

 (3) 

الممنوع والمحرّم والمستحيل 




الاستماع الصوتي: 


----------------------------

تروج أطروحات الطاقة لتلك القصة الخيالية التي لا نلتقي فيها الحب الحقيقي سوى مرة واحدة في العمر. إلا أنها تعمق من التراجيديا حين تحيط هذه المرة اليتيمة بالمستحيل، ولأن المستحيل مرغوب في حسبان الإنسان، نرى الخدعة تكتمل، وجنون المغامرة يدك حصون العقل، ولا يعد المحِب "الطاقي" يرى سوى هذا الحبيب الممنوع والمحرم، والمستحيل.  

القصة قديمة ومتداولة في أسطورة الحب في كل زمان ومكان: ملخصها أن العقبات بين المتحابين هي الثمن الذي يراوغ صدق الطلب لهذا الحب عند العاشق الفارس، والمعشوقة المنتظرة. ولكن كل قصص الحب مهما أوغلت في الإيهام- تكون النهاية واحدة، وهي النهاية السعيدة، لأن قانون الفطرة والعقل: أن الصدق ينتصر مهما طال الكذب، والصدق هو مهر العروس دوما.  

أما في قصص الحب الطاقي، فكل المستحيلات تجتمع لكي تقفل أبواب الرحمة على المتحابين، وفي غيمة السواد الحالك يأتي المدد الذي لا بد ومعه العذابات عوض الرحمات، ليس لأنه يريد اختبار شجاعة الحب، وإنما لأنه الزيف المحض الذي لا حق ولا حقيقة تحته.  

لكن لنسأل أولا: ما قصة الممنوع والمحرم والمستحيل في فكرة قصة الحب الطاقي؟  

ملخصها : استحالة الوصول إلى المحبوب لأن دواعي هذا العشق محرمة في أصلها 

فهناك محرمات تدور حول اختلاف الدين بين طرفي الحب، ويقول الطاقيون بأن هذا أشد أنواع الحب وأقواها؟!. وهناك محرمات نظرا لأن أحد طرفي الحب هو في الأصل متزوج، ولا يخدعن قارئ بأن الأمر هيّن في حال الرجل المتزوج والمرأة العزباء على اعتبار جواز التعدد للرجل في الإسلام! لأن وفق أطروحات الطاقة فإن التعدد ممنوع طاقيا. ولهذا تراهم يتحدثون عن الأطراف الرباعية، في حال كان الطرفان متزوجين، أو الأطراف الثلاثية في حال كان أحد الطرفين متزوجا والطرف الأخر أعزب والطرف الثالث هو الزوجة أو الزوج الشريك. ومن الغريب في هذه الأطروحات أن الحب المتيسِّرة أسبابه لا يعتبرونه حبا يصل إلى حد الاشتعال التي يتوصل صاحبها إلى الاستنارة! ولهذا دلالة عميقة تفضح السواد من أطروحات الطاقة: بأنها تود دوما أن تكسر هيبة "المحرَّم" في كل مجالات الحياة، فهذه الأطروحات تهدف إلى التعدي على محرمات الله، فكل اجتراح للتحريم هو ترقي في عتبات التطور الروحي!- وفق زعمهم- 

ولعل الداخل في هذا الحب الطاقي يخف توهمه لو عرف أنه لم يصل إلى هذه المرحلة من حب الممنوع والمحرم والمستحيل من أول مرة. ذلك أن هناك مراحل من التعايش مع أطروحات الطاقة سبقت هذا الإعوجاج في التصور. إن الأثر المتراكم للممارسات الشركية التي تملأ الطاقة تتسبب أول ما تسبب في فساد القلب، وإذا فسد القلب فسدت تبعا الإرادة والأقوال والأفعال. والفساد المقصود ههنا هو فساد التوحيد، فالطاقة ترسخ لمفهوم الشرك / الإشراف على مستوى العالم الداخلي للمسلم، لأنها توطد للتعلق بغير الله من ناحية الطلب والقصد، وحتى الاعتقاد بجلب النفع ودفع الضر من غير الله، ونقصد هنا الكون والعوالم الخفية التي تصبح كلها في منظومات الطاقة آلهة تعبد من دون الله.  

ولهذا يأتي الحب الطاقي إما نتيجة عن الانغماس في ممارسات طاقية سابقة، أو هو سبب لما هو قادم من الدخول في علوم الطاقة الزائفة. لأن هذا النوع من الحب إنما يعظم بما تقدمه الطاقة من تفسيرات ومغذيات كلها تغمس المحِب الطاقي في الحرام من دون أن يدرك مدى الفساد الذي لحق دينه، وما يلبث أن يحرق دنياه خزيا، فيما لو صدّق بأطروحات من مثل: توأم الشعلة، وتوأم الروح، وتوأم النفس.  

وقد ضرب لنا القرآن الكريم قصة كاملة في الحب الذي يشوبه الممنوع والمحرم والمستحيل، وهو عشق زوجة العزيز ليوسف عليه السلام. وقد كانت كل المعطيات ترخص ليوسف عليه السلام أن يطيع امرأة العزيز فيما تأمر به من اقتراف الحرام، ولكن شيئا واحدا كان فارقا في نفس يوسف: وهو كمال توحيد الله سبحانه وتعالى، هذا التوحيد قوّى عنده الإرادة، فآثر مرضاة الله وخوفه، وحمله حبه لله على اختيار السجن على الزنى ( قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه) سورة يوسف/ آية 33 

وفي الوقت ذاته ( فقد علم أنه لا يطيق صرف ذلك عن نفسه، وأن ربه تعالى إن لم يعصمه ويصرف عنه كيدهن صبا إليهم بطبعه ، وكان من الجاهلين، وهذا من كمال معرفته بربه وبنفسه) ابن القيم، الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي.  

وهذا مدخل للرد كذلك على أصحاب الطاقة الذي يعززون فكرة الحب الطاقي المحرم بأنه مما يفوق قدرة الإنسان على دفعه أو التخلص منه! وهذا فساد وباطل، لأن الله قد ركّب في الإنسان القدرة على لجم إرادته، ووضع قلبه موضع الحق، بل وتكفل له بأن يعينه كسائر إعانته لأوليائه ، في صرف السوء والفحشاء عن قلب المسلم الموحد الذي يطلب التخلص من ويلات الحب الطاقي أو العشق المحرم . قال تعالى في سورة يوسف( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين).  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )