,وماذا بعد

 



بعد ست سنوات من البحث والاستماع لأطروحات الكتلة المتشكلة من : التنمية البشرية، وتطوير الذات، والروحانيات، وتدريب الحياة، وكل ما يتم استنساخه يوميا من أسماء لفروع توهم بالاختلاف في حين كلها تدور حول التطوير / التشافي الذاتيين- أقول : أني للحقيقة لا أدري إلى أين انتهيت؟!

إنك تدخل هذه التشابكات وأنت تعرف أن لديك شيئا تبغي إصلاحه في ذاتك، ثم لا تخر ج منها لا بذاتك ولا بخلاصةٍ تشي بخاتمة من نوع ، أي نوع!

والسؤال الذي يصير يلازمك بعد مراحل من السعي، هو: ثم ماذا؟ ماذا بعد؟

إن هذا التساؤل لا تملك أصوات التغيير تقدير موقف محدد منه، علما بأننا لا نرفض فكرة أن حركة التغير فعل اللا-توقف ، فهذا مما نعرفه بداهة، وإنما المقصد أن فنون الروحانية تعثرت عن أن تخرج من نفق أخذ يضيق عليها فيما يخص مآلات الأطروحات الفضفاضة التي استهلت بها لفت الأنظار لما تؤلفه وتقدمه.

إنها تعيد – وبملل- أن التغيير داخلي، ولكن هذا "الداخلي" هو في الأصل ما يزال مجهولا أمام الروحانيين والتطويريين!

ولعل أصدق تشبيه لهذه الحال، ما ضربه شمس التبريزي إمام التصوف من مثل حين قال: إنك تركز على الشمعة، ولكن لا تنظر إلى أين تقودك!؟ والشمعة هنا هي نفسك وفقط.

إن أي صاحب سعي في دين الله يدرك أن استقامة حياتنا تدور على اليقين: يقين الساعي، واليقين بالمنهج. وإذا كانت الأطروحات المعاصرة تركز على قوة التصديق في نفس الإنسان، غير أنها لم تبلغ به حد اليقين – كما يصنع الدين- فضلا عن أنها تفتقر في جذورها إلى المنهاج الذي يصبح معه اليقين تحققا وتحقيقا، لا بروقا تحترق ثم تخبو إثر ضجيج سريع.

قد يجادل أصحاب هذه الأطروحات بأنهم لا يقدمون منهجا، إنما هي "دوافع" يوقظونها في الإنسان الضائع عن ذاته ليعود رشده ويستل حريته. ولكن قد غاب عنهم: أنك حين تقدم استشارة أو حلا لمشكلة شكلت معاناة في حياة الإنسان، فأنت في الحقيقة تقدم له منهجا يسير عليه ليرشد، بصرف النظر عن الشكل الخارجي الذي وضعته لهذه الحلول.

ولسنا هنا نقلل من قيمة الخبرة الإنسانية في تبادل التجارب المعيشية، إلا أن هذه التجارب ليس لها سلطانا يجعلها تجترئ على فتح عوالم غيبية، أو باللمز في فهم الدين حين لا يلائم أطروحات التطوير الذاتي! ومن الغريب، أن كل متكلم في هذه الفنون المحدثة تجده يلمز "المفهوم المغلوط للدين"، في حين هو ينكر ما يقدم الدين في الحقيقة. وأظنها صارت حجة واهية تلك التي تربط بين المفهوم الغلط للدين وروح الدين، فقط أكل عليها الدهر وشرب، ولم يتبق لذي عقل أن يخدع بها.

ولست هنا لأطلق أحكاما استثنائية، ولا نهائية بالطبع، ولكن بين مرحلة وتالية لا بد وأن نفكر فيما تراءى لنا من أطروحات فكرية هي آخذة بالتضخم على حساب وقتتنا وعقولنا وأرواحنا. وما زلت أظن أن المحك هو الزمن: الزمن وما يتراكم من تجارب هذه الاتجاهات هو وحده الذي سيقرر بقاءها أو اندثارها، ولكن شرط الزمن لا يمنع من الدراسة والبحث والتمحيص.

تعليقات

  1. قراءة عميقة لواقع طافح بالاكاذيب! ويبقى السؤال وماذا بعد .. يسلم وعيك

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )