كي أهدأ





هل يحتاج الكاتب أن يهدأ كي يكتب؟ أم أنه بحاجة أكثر للكتابة كي يهدِّئ العالم المجنون من حوله؟! إن عقدة الكاتب في كتابته تتمثل عندما يعجز عن فرض "لحظته/ لحظة الكتابة"على متطلبات الحياة، ومستلزمات الضجيج المفروض عليه. 
إن الأمر مع الكتابة، وكل عمل إبداعي، هو الحرج الذي يتجشمه صاحبه في صراعات السيطرة على مساحة الوقت والصمت فيما بينه وبين الكيانات الحائم في مدارها، والمهووسة بدورها بفرض أنموذجها من التضييع.
والهدوء والصمت والوقت، ليست اشتراطات الكتابة على الحقيقة، وإنما هي إلماحات ظرفية لواقع مفترض لا افتراضي يلتمسه الكاتب ليتمكن من التأمل، والاقتباس، والتأني.
وشيئا من محاربة هذا التضييع، أن يؤمن الكاتب بمشروعه ككاتب ويعمل على فرضه على العالم، فالناس في كل زمان ومكان، هم أصحاب مشروعات تجارية أو فكرية أو عبثية! وإذا كان الكل يسارع لاقتناص فرصة المثول على مسرح الحياة ليقول ما لديه، فإن فعل الكاتب ليس تقديم عرض ترويجي ممتاز لمهاراته، وإنما أن يزيح نفسه ومنتوجه من المنافسة، لأن الدخول في المنافسة على الحق في الوجود، تعني أن ثمة باعث خفي هو ما يحرك الكتابة، غير الكتابة نفسها! 
وفي كل مرة يتجدد باعث غريب على مقولة الكتابة للكتابة؛ سيجد الكاتب نفسه مضطرا للإثبات والتأكيد والبرهنة، والكاتب الحقيقي لا يدخل في "مناقصات" مع أصحاب المصالح الأخرى، فميدان الكتابة، لعله الميدان الوحيد الذي هو بلا رهانات ولا مسارات، فأي كاتب يملك الحق في الوقوف على أرض الكتابة المترامية، والتي تتسع ولا تضيق مع انبثاق حثيثِ الكتابة في الوجدان الجديد.
لا تقارن أيها الكاتب نفسك "بمصلحات" أخر، ليس لأنك الأفضل، ولا لأنك الأفقر، بل لأنك خارج السباق برمته.
حينها ستتلمس المعنى الكامن وراء الهدوء، وستردد : ليكون ما يكون، كي أهدأ!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )