طوفان غزة

Boots. Flood.
https://flic.kr/p/4B4wLQ

يخطئ من يتوهم أن ما يحدث في غزة اليوم هو مأساة غزة وأهلها وحدهم ! إن على باب كل منا يهودي قائم بالدمار والدماء والفساد! إن فكرة "التدمير" لا تتمثل في الاجتياحات العسكرية ولا الحروب الانتقامية ، إنها تكمن في شلل القدرة على النهوض والمقاومة وتلمس السبيل الصواب ولو كان الإنسان قابعا في أبعد درجات التنعم الدنيوي ! فأنت حين لا تعي أنك غارق في الانهيار ، وأن أيامك إنما تعدّ من النهاية لا من البداية ، وأن الأنفاس الراحلة عن لحظتك الراهنة  هي آخر عهدك باستدراك البصيرة .. فأنت حينها تعيش التدمير وتتنفس به ؛ بل وتمثل منه ! وهذا حالنا حين نقلب قنوات التلفاز لنتأرجح بين صراعات العاطفة والفكر ، فمن ناحية نتألم لما يحدث في غزة ولكن ما يزال هناك متسع من البرود فينا كي نتابع الدراما والكوميديا و الإسفاف ..تيك المفردات صارت بديلنا الحي في وصف رمضان كل عام ! كيف تنصر أمة نفسها وهي تستنكف على ذاتها أن تموت بشرف بدل أن تحيا بذلّ ! كيف تستيقظ العقل ليرسم غدا أفضل لأمة ترفض موازين هذا العقل التي يضعها حدا فاصلا بين الهمجية والارتقاء ! أم كيف تنال الروح وعيها في عباداتها وهي في أمة لا تشكل لها الطموحات الروحية أكثر من مؤونة اليوم الواحد من المتعة والحيرة معا !
إن العار والعيب والحياء ، لم تعد حاضرة بقوة كي ننصر الضعيف وتوقف السفيه وتلطم وجه الظالم ، فرغم كل تلك الضجة حول أحداث غزة ، نجد أن أذهانا متعفنة تحاول أن تثير زوبعات جانبية كي تشغل الناس عن فشلها وعجزها ، فمثلا بدل أن يهولنا عدد الأرواح المبددة كل لحظة على رمال غزة ، تسكر بنا أعداد المشاهدات لأكثر الأعمال التلفازية متابعة في شهر رمضان ... وهذا سؤال الكنز في كل منافذ الإعلام العربية : تلفزة وصحافة وحتى قياسات الرأي ، نحن العرب الذي كانت أكبر عيوبنا غيبة لغة الإحصاء والأرقام لمعرفة مستوى نكباتنا الاقتصادية وتباطؤنا التنموي ، ها نحن اليوم ندخل عالم الإحصاء والأرقام لنحصي الأكثر إغراء والأجرأ تعريا و الأعلى بلادة في صراع الإعلام العربي ،وأي صراع هذا الذي يتم بين إرادة الخالق في الحق ؛ وعجز المخلوق في الباطل !
هل ترانا في مأمن أن نصحو يوما لنجد عراقا جديدا يتفجر في بطن بيوتنا ! أم هل ترانا رضينا بما نرمي من فتات الموائد لإخوة الدم والدار من النازحين السوريين ظانين زورا وغباء؛ أن هذا الفتات يدفع عنا ترقب النكبة التالية والتي قد نكون نحن – في أرض عربية أخرى – ميدانها القادم قريبا !
إن الوقوع في المعصية والغفلة ليس بالشيء المستحيل في عالم البشر ، بل هو سنّة من سنن خلقهم ، ولكن ماهو مخيف حقا :
أن يكون العماء جماعيا وشاملا ويزداد تجذرا وعتوا يوما بعد يوم ..
أن يصبح الحزن ألوانا من تمطيط الشفاه و زفر كلمات العزاء دون واعظ ولا تحذير..
أن يصير أقصى مدى الغضب أن نلوك آخر مشاهد الدم وعدد القتلى ، كما نتسلى بالمطيبات من المطاعم والمستمتعات من اللذائذ الرخصة ..
أن نفقد الشعور بالحقيقة ، وأن نرفض رؤية النور ، وأن تصبح حياتنا كلها أنفاقا تحت الليل ، كل ذلك يسلمنا إلى مزيد من الغفلة ومزيد من القتلى ومزيد من التدمير ..
لذلك فلا محاجة في أن التدمير إنما مركزه الإرادة حين تموت بين النزق والشهوة ، وليست الحروب سوى إفراز قيامه في النفوس ..
فأين الناجين من طوفان غزة ؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )