في مدينتنا - نصوص نثرية



في مدينتنا
( 1 )
في مدينتنا
يُشنق الحزن
لأن الفرح ما عاد مبهجا
فما سوى الحزن بقايا مدينة
فليحرمه أيضا البسطاء
هناك في الزاوية
وههنا مع الأرجيلة
--------------------
( 2 )
في مدينتنا
يتكوّم الصوت
حذارِ الغياب
فأعواد الشجر لا تنبت إلا
الخوف
و النفط
والجوع
ولونا أصفر
يحاكي ناي الذكريات العتيقة
-----------------
( 3 )
في مدينتنا
يتاجر الليل
بدموع الأتقياء
يبيعها الفجر
ندى أزرق
ثملاً
 على دنانير الأغبياء
----------------
( 4 )
  في مدينتنا
لا تمارس الهندسة هوايتها
فالخوارزمي والبيروني
نقوش عفت منازلها
وفي دفاتر الصغار
بقايا تقاسيم كذب
في قصاصات ورق
----------------
( 5 )
في مدينتنا
يسقي الأرضَ
العرقُ
العرق وحده منظف فعّال
للماء
الماء الطهور!
أَوَ كان اسمه "الماء"؟!
لعل طارئا حداثيا ألمَّ بآخر الحروف
فانكسرت السكون
وجفت الرطوبة
وانهمر في الوجود
مركبٌ  ما.. بين
الحرب والكراهية
"الألم"!!
يشبه تماما العرق
وهو يسقي
الماء !!
-------------------


( 6 )
في مدينتنا
تنوح القطط
عرايا من المُواء
 يعاودها الجوع
فيهجرها الصمت
تتذكر آخر بيت
صرخت ..
خربشت ..
موّأت على جدرانه ..
إنه هناك ..
في القمامة الواقعة خلف قصر
 بني "سيّاف"
-----------------
( 7)
في مدينتنا
يغطي السواد
ثلاثة أرباع البحر
ويبقى جزء وحيد
يلمع في السراب
أَوَليس الملحُ يلمع تحت الشمس؟!
بلى !
إلا أنه في مدينتي أوراد مستهلكة
تثنّى بها
تكيات " العُمدة "
ومدافن الأسلاف
--------------------
( 8 )
في مدينتنا
كل شيء مرتب بنظام
نظام منقطع النظير
فدافتر الوفاة
بجوار سجلات الميلاد
ويد نشطة
ذات بأس و عطف
تنقل هذا المشرد أو ذاك
بين ذيك السطر أو هذاك
وهي تدندن في حبور
و نفور؛
" سهلٌ اسمه  " !
" سهلٌ موته " !
-----------------
( 9 )
في مدينتنا
تتجمع كل الألوان
الأحمر
الأصفر
الأخضر
فالأحمر خبر "كان"
ولن يعود
 ولا حتى في المنام!
وأما الأصفر فشرٌّ مستطاب
ألا تبرق عيون النساء خلف القضبان !
وأما الأخضر
 ففي قوائم الانتظار نائحٌ ما يزال !
-----------------------
( 10 )
في مدينتنا
يتقنون الفنّ السيريالي
إذ لا ضرر إن كنتَ
هرةً
أو خرقةً
أو إنسانْ
فالكلّ قابع في الكلّ
والجميع قابل "للدبلجة"
و "الأدلجة"
و "الأبلسة"..!
أنصاف الأغيار
سمة ثلجية
لا تفارق وجه الصباح
النوم في غابات البوم
أو السكن على قشور البيض
كله حاضر في الألوان
الأسود
الرمادي
و "الفيراني"
وحدها مدينتنا
للفئران فيها
كل الألوان
وكامل المساحات..!
-----------------
( 11 )
في مدينتنا
" الإخضرار" تهمة
يعاقب عليها الفارّون
من الماء!
على وجه طفل
غشيته الكآبة
عيناه تتحجران
كجدران غرفته الكلسية
وأنفه مزكوم
بروائح الإسمنت والصخور
وشعره الأسود
مشتت بين النفط والغبار
وصدره المحشو
بألف غضب ورفض
يعلو في زفير
لا شيء غير الزفير
روحه 
وريحانه
ونعيمه المقيم!
فما من زهرة على نافذته
وما من وردة وسط كتابه
فمن أين له أن يتنفس بالحرية
أو أن يحلم بالخضرة !؟
---------------------- 


( 12 )
في مدينتنا
الإنسان دون صلاحية
أشباه أفعال
وأبعاض حلول
وبعض كلمات
مكلومة ... موتورة
الحياد صِنو الخطوة
والتوقف شارة المسير
فالشمس والقمر ..
أو الليل والنهار..
أو اليوم والغد .. والأمس قبلهما
كله سيان
في أجندة المكان
ففي مدينتنا
يتساقط الجمع والطرح والقسمة
وحده الضرب
يستطيع أن يصنع التشابه
في "اللاكائن"
أن يكرّر نفسه في نفسه
اليوم ، الأمس ، الغد
الطفل ، الشاب ، الشيخ
الرجل ، المرأة
الإنسان
لا سمك يموت في نهر مدينتنا !
------------------------
( 13)

في مدينتنا
يتساوى الحُبّ والعُهر
فالمرأة التي تضيّع حذاءها
لن تجد قلبا يسترها
فالقلب والحذاء
وجهان يلتقيان
ذات الدَّقة ..
وذات التوقيعة..
وذات النّبرة ..
هل سمعتم يوما عن حُبٍّ
ينشأ من الحذاء !!!
هذا هو الحُبّ في مدينتنا
-----------------------

( 14 )
في مدينتنا
لا نتداول الكثير من الكلام
فالصمت وَقار
ودِثار
اغمدْ سيفك يا "عنترة"
فأنتَ لا تقاتل دون كلام !
-----------------------

( 15)
في مدينتنا
يتناوب الحرف والحرب
يكفي أن تنعكس النقطة
لينكشف معها سرّ الخطيئة
وللحاكم من قبلُ و من بعدُ
أمرٌ و مشيئة !
----------------------

( 16)
في مدينتنا
يتمطى الوهم مفتخرا
ففارق التوقيت
صفرٌ
بين الحلم والواقع
أحلامك ليال خريفية
وأما واقعك..
 فقِدْرٌ مكفيٌ على قَدَر!
---------------------
( 17)
في مدينتنا
يتسامر النقيض و وجهه
فحفلات الأضداد
تقلب تاريخ اللغة
والإنسان
يُدعى إليها
"سيجارٌ" و "عودْ"
ويُحْرمها
"العقلُ" و"القلمْ"
---------------------
( 18)
في مدينتنا
الآلام تبيع
التاريخ والجغرافيا
بل حتى الرغيف
والهواء!
وفي سوق "الجمعة "
تُهدى النذور
ولا ضحية
ويُرش العطر
ولا عروس
وتفرش النقوش والنقود
فالوطن كله
قمارٌ
في قماط!
------------------------
( 19)
في مدينتنا
يمتهن الكتابُ جهدَه
على مسرح العبث
الشعرُ حشوه اللّغو
والنثر آلة تقلّب
زماناتها الساكنة
و في حارة " المظلوم"
دماء حجازية
ذات وجوه نردية
لا يُشبِع جوعها
شطائر"البرغر "
أوخمائر "البيتزا"
ولا تَشرب نخبَها
كؤوسُ البيبسي
أوالصودا ..
ففي مدينتي وحدها
يوزّع الكولا
بالمجان..
في العزاء !
----------------------

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )