مَنْ لِنسَب التوحيد
مع كل تراجع في طفولية العقل تظهر مشاهد من "التشبث" بأشكال من الهوية، يعرف العقل أكثر ما يعرف، أن مجرد الانتساب لها هو عبث محض، ومع هذا؛ يتمسّك بها لأنه يرى نفسه على شفا جرف هار ضائعا عن مقومات وجوده السَّوية. فالعقل قد يضحك على نفسه، ومن نفسه، ما دامت تناوشه مضلالات الخوف والفتن والهوى، إنه يدخل إذ ذاك في عماية عن الحق الذي من المفترض أنه ديدنه للبحث، ويصير أسير ما هبّ ودبّ من رايات راجعة عن الماضي، الماضي الأعمق في الغواية. الأصوات العربية التي تعتز بانتسابها إلى حضارات بائدة: كالبابلية والسومرية، والآرامية، والفينينقية، والسبئية، والفرعونية؛ وقس على ذلك ما شئت من أقوام سكنت أرضنا العربية والإسلامية ردحا من الدهر بأمر الله، ثم بادت بأمر الله كذلك- هذه الأصوات تعلو في كل دورة ينغلق فيها على العقل العربي رشده الذي أخرجه من الظلمات إلى النور، وبعد أن كان يعبد صنما يجعله مسخرا لقوى الكون الغامضة، صار يعبد إلاها ملّكه أن يتسيد خيرات الكون بكرامة. وفي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم حدثت قصة في غزوة بني المصطلق، حيث لكز رجل من المهاجرين، لعبا، رجلا من الأنصار فأذاه، فنادى ال...