المشاركات

عرض المشاركات من 2025

مَنْ لِنسَب التوحيد

صورة
  مع كل تراجع في طفولية العقل تظهر مشاهد من "التشبث" بأشكال من الهوية، يعرف العقل أكثر ما يعرف، أن مجرد الانتساب لها هو عبث محض، ومع هذا؛ يتمسّك بها لأنه يرى نفسه على شفا جرف هار ضائعا عن مقومات وجوده السَّوية. فالعقل قد يضحك على نفسه، ومن نفسه، ما دامت تناوشه مضلالات الخوف والفتن والهوى، إنه يدخل إذ ذاك في عماية عن الحق الذي من المفترض أنه ديدنه للبحث، ويصير أسير ما هبّ ودبّ من رايات راجعة عن الماضي، الماضي الأعمق في الغواية. الأصوات العربية التي تعتز بانتسابها إلى حضارات بائدة: كالبابلية والسومرية، والآرامية، والفينينقية، والسبئية، والفرعونية؛ وقس على ذلك ما شئت من أقوام سكنت أرضنا العربية والإسلامية ردحا من الدهر بأمر الله، ثم بادت بأمر الله كذلك- هذه الأصوات تعلو في كل دورة ينغلق فيها على العقل العربي رشده الذي أخرجه من الظلمات إلى النور، وبعد أن كان يعبد صنما يجعله مسخرا لقوى الكون الغامضة، صار يعبد إلاها ملّكه أن يتسيد خيرات الكون بكرامة. وفي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم حدثت قصة في غزوة بني المصطلق، حيث لكز رجل من المهاجرين، لعبا، رجلا من الأنصار فأذاه، فنادى ال...

فن المطالبة

صورة
      في الثقافات الوثنية الشرقية، يُقال إن الوصول إلى النيرفانا، اكتمال الحكمة أو الاتحاد مع الإله، يتحقق عندما يتوقف الإنسان عن المطالبة بأي شيء من الحياة، على اعتبار أن الإله لا يحتاج شيئًا لأنه مكتمل بذاته! ولأننا لا نعتقد بهذا الأمر، فإن المطالبات  لهي الصدق الذي يبرهن على صحة العقيدة: إننا نطلب من الله لأننا نؤمن بالله ، ونفتقر إليه . لكنني أرى – كذلك- أن التوقف عن المطالبة يعني التخلي عن جوهر وجودنا. فالمطالب ليست مجرد رغبات، بل هي إشارات إلى الحيوية الوجدانية التي تجعلنا ندرك ذواتنا ونسعى لفهم العالم من حولنا . حين يولد الإنسان، تكون المطالب أولى خطواته في التعبير عن وجوده؛ بالبكاء يطلب الطعام أو الحنان، وغالبًا ما يكون طلبه الأول موجّهًا إلى أمه. هذه المطالب البسيطة تحمل في طياتها أعمق إشارات الحياة: أننا موجودون ونستحق السعي . ولعلنا لا نبعُد إذ نقرر بأن الأدب ، كان وما يزال، هو محاولات حثيثة لتقريب أهمية فن المطالبة من أذهان المتلقين، أيا كانت وسيلة التلقي، فالأديب كل ما يريده أن ينبه ولو صراخا   بأن المطالبات هي قصص وجودنا النابض بين تسلسلات ال...