المشاركات

عرض المشاركات من 2024

الفلسفة وألعاب العقل

  سألج مباشرة إلى قلب الفكرة، فلا حاجة للتفلسف في مقالة عن الفلسفة؟! هل وصلتك الفكرة من هذه الجملة؛ هكذا هي الفلسفة في حقيقتها: بحث في المبحوث، بل والمفروغ منه! دعني أبدأ من البداية، كي تتحقق لماذا كانت هذه هي النتيجة النهائية لرحلتي مع الفلسفة. إننا - كبشر- مقدر علينا أن نوضع في أمور أكبر منا كي تشحذ قوانا العقلية. لم ولن نتقدم إلا في اللحظة التي نجدنا لا نستطيع المزيد! في هذه المعضلة نحو الحركة : انفجرت الفلسفة كخلاص للعقل يعبر بها عن أحقيته في الوجود، في الفهم، في التفاعل مع هذا المغلق وربما المستحيل.  العقل لا بد وأن يتحرك، والنفس لا بد وأن تشعر، وعندما تضعني في كلّي الإنساني داخل محجَرٍ يقصر حركتي، فإني سأظل أحفر بأظفاري كي أجد ثقبا أنفذ منه، هذا الحفر هو تفكير، وهو أيضا شعور وحدس. أفهم جيدا هذا الانكباب المزهو بنفسه المشاهَد اليوم في بيئتنا الثقافية تجاه "الفلسفة"، فالأمر مزودج بين تغييب طويل عن قبول أطروحات إعمال العقل من جهة، ثم تلك الزخرفة اللفظية التي تحملها الفلسفة في ذاتها، كونها بدأت علما للخطابة والتعبير قبل أن تتمحص لتصبح مجمل ما في الأفكار من حياة، من جهة مقاب...

الفكر الإسلامي واللا-عودة

صورة
  حين أتحدث عن مصطلح "الفكر الإسلامي"، فإني هنا أتناول معنى انتقلتُ في طياته، ومبنى أشربته كيانا كليا على ظن من الإيمان بأنه الحصيلة النهائية ومحل الثقة لفكرة وضع الإسلام، ومن ثم  الحياة في ظل الإسلام، موضع البحث والنظر.  ولست هنا أعيد تعريف هذا المصطلح، ومدى ما شابه من اتساع عند مختلف الأقطاب، إلا أن ما انتهى إليه هو أنه يُظهر ما بطن من نظرة الإسلام إلى ما يهم الإنسان، عامة، والمسلم خاصة في صلاح معاشه الدنيوي.  والتحدث عن بواكير هذا المصطلح والسيطرة التي كانت له قبل عشرين إلى خمس وعشرين عاما مرت، يشوبه التشعب الذي لا بد هو مخل بشمولية التحولات مما أصاب هذا الفكر المنعوت بالإسلامي تماشيا مع فكرة "الأسلمة" التي تمنطقت بيان تلك السنين. غير أن ما أخلص إليه بأن مصطلح الفكر الإسلامي ومؤداه لم يكن سعيا حميدا، وإن كانت النوايا صبعته بالخلوص وحسن الظن.  عندما أخذ المصطلح بالانتشار في الدول العربية خاصة، والإسلامية بالعامة، تنازعه اتجاهان متقابلان:  الاتجاه الأول: القبول بالكلية/ وهؤلاء وضعوا له مؤتمرات ومجلات ودوريات، وحتى لو أنك دخلت المكتبة القريبة في بلدك فإنك س...

تجلي المتعة

صورة
  كل من يريد أن يقدم نتاجا لا بد وأن تتجلى فيه روح المتعة! هو شيء لا يمكن فرضه، ولكنه يسري في الأعمال التي نقدمها حين نعيش فيها استمتاعنا ورغبتنا وشوقنا للامتداد البعيد الذي لا يحد مع كل هذا الشيء الذي من أسمائه : الوجود، الكون، الحياة..الإنسان. هذا التجلي للروح المستمتعة بما تؤدي يقطع الزمن ولا يقطعه الزمان، نقف أمامه تأخذنا رجفة الخلود، وكأن ما أحد كتب قبل هذا الكاتب، ولا أحد قرأ كمثل هذا القارئ، ولا أحد كان مع كل هذا الإرث المتراكم! والسر يجري في أن قليل القلة من عاش متعته في هذا النتاج . صدقا، فإني حين أقرأ عملا أدبيا، أتملى أولا: هل استمتع الكاتب وهو يكتب نصه، سواء أكان شعرا أم قصة أم رواية؟ عجيب هذا التساؤل، وهو شيء خارج عن مجال القراءة المباشرة، ولكني اكتسبت هذا النزعة إلى الاكتشاف عن جوانية الممتِع، من طول الدربة في قراءة الرديء، وأقصد به الجاف الذي يمليه كل دافع غير أن الكاتب اراد أن يعيش هنا و فيما يكتب، وحسب. وعليه نقيس، ما يملؤنا حين تقف أمام عمل فني يخبرك  عن صاحبه الغائب: أن مؤلِفي أراد أن يعيش متعته بي، فمنتحته تلك رفاهية لأن أسري في وعي من سيأتي ويشاهد هذا العم...

اللعب بالعبث

صورة
  ما يدمر الإنسان، ومن ثم الحضارة كلها، هو شيوع العبث في أسلوب تفكيرها، حتى ليصير واقع معاشها بكل تفصيلاته! والعبث هنا ليس انتشار الملهيات، والولع بقشور الحياة، أو السعي في الوهم؛ فهذه كلها سمات بأن المجتمع قد بات عبثيا فعلا.  العبث هو الاصرار ، هكذا الإصرار، على رؤية الإنسان على غير حقيقته، فكل واحد منا يريد أن يرى الآخر كما هو يريد أن يراه. هذه الجريمة بإلزام الشخص ملامح ليست له، وما يتبع ذلك من طريقة الحديث، والميول الخاصة، وحتى أساليب العيش اليومية؛ إن فرض النمط غير الأصيل على إنسان ما لهو أقصى صور العبثية بهذا الكائن!  عندما يقف أمامك "الممثل" في عمل تمثيلي ينال استحسانك وتصفق له، فأنت تظل تضبطه بهذا الدور، بل وأنت ترفض أن تعترف له بوجوده الحقيقي خارجه! وهذا الهوس بالضرورة هو قائد كل من الممثل والمراقب أو المشاهد، إلى اجترار الكذب الطويل على طرفي الوجود: الممثل يود الاستمرار في المهنة، والمتابع يود أن يصدق بوجود ما يشاهد! وحين يصبح الوجود بحد ذاته فرضية للنقاش فأنت في النهاية تكون قد رميت بقصة الوجود كاملة تحت قدميك! والشكل المشاهد للإنسان الذي يعيش العبث أنه المهرج ...

التاريخ الشخصي لأرض ما (2) الحب

صورة
  هل يُعَد الحب مكونا تاريخا في أي أرض؟ للحق، ما لم نبدأ في اعتبار الحب تاريخا مستقلا لكل أرض فإننا ما نزال ندور حول أنفسنا من دون أن نطأ الأرض بأقدامنا، بل بقلوبنا.  الأرض هي موعد الحب المتجدد. إننا نحب لأننا نشعر بأن ثمة ارض قارة على أن تحوينا وتؤلف  شعث نفوسنا. كل قصة الحب هي الأحداث المنعقدة بين الإنسان والأرض. ولعلنا اختزلنا تاريخنا طويلا كان يمكن كتابته بإنسانية، لو ما كنا أهملنا معامل الحب في تطور الحياة، والتي حصرنا نظرتنا إليها بالحروب والاقتصاد وحسب.  حين نبدأ منهجا جديدا لكتابة تاريخ الإننسان، فإننا نكتب أخص ما في هذا الإنسان، أي تاريخ دوافعه،ثم تاريخ ما كان الأساس في بناء هذه الدوافع، أي تاريخ الحب.  هل ترى يصدقني أحد لو أني أخبرت بأن كل ذلك الصراع مع ضغوط العيش، والاستعمار للبلدان، وانقسام العالم إلى أكثر من محفل، حتى إن تاريخ الحروب ؛ كل ذلك هو معاناة الإنسان مع رغبته في الحبّ! قديما قالوا أن من عجائب اللغة: أن اختلاف ما بين كلمتي الحب والحرب هو حرف واحد! ولكنه حرف تكراري، أي الراء، ولذا فإن الحرب تتكرر في تاريخ الإنسان الواحد، ولكن الحب نادرا ما ي...

التاريخ الشخصي لأرض ما (1)/ الأصالة(ب)

صورة
  ما هي الأصالة؟ كثيرا ما نصف مثلا فنقول: الأزياء التقليدية علامة على الأصالة، الأصالة في العمارة الإسلامية والعربية، الأصالة في العادات والتقاليد..، وهكذا، فهل تتوقف الأصالة عند المنشور الظاهر من النشاط الإنساني؟ لو عدنا إلى القاموس العربي سنرى أن الأصالة هي من خصائص الوصف الأدبي للأديب المستقل في بناء أسلوبه في الكتابة، والتعبير عن رأيه وفكره من دون استنساخ ما عند الآخر، أو قريبا من هذا المعنى.  وما أبتغيه من عرضي هنا للأصالة هو ما تلبستُ به من تجارب فكرية كنت أدوِِّرفيها لأستطيع الإجابة عن تساؤلاتٍ مما تعرض للعقل المنفتح وهو آخذ في النضج، وإني أعزم على أن البحث والتنقيب في الأفكار هو من فضائل التعب الذهني لمن يريد أن يتفرد بهذا العبء مدى حياته.  حين تريد لفكرك أن يتشكل ليتخذ موقفا تجاه قضية ما، فأنت إما عائد إلى مخزون القراءة من الكتب التي تعرضت لتجارب الإنسانية، أو للاستقراء من النماذج  البشرية الحية في عالمك، والذين يعبرون في منهاج حياتهم عن خبراتهم المتراكمة، ويعيشون بما يؤمنون به من أفكار وتقاليد.  ولشيء من خدعة الزمن، تظن أنك قد وَقفت على كنوز بشرية مكتو...

التاريخ الشخصي لأرضٍ ما (1)/ الأصالة(أ)

صورة
  هذه سلسلة وليدة من الكتابات التي أبتغي منها قراءة الحياة كما حُمِّلتُها من الأرض التي عشت عليها. ولست هنا بصدد الكتابة عن تاريخ هذه الأرض وجغرافيتها، ولعل الأرض هنا هي رمزية لما قام فوقها من سيرة وحكاية، ذلك أننا في بشريتنا تختزل الأرض استطراد وجودنا لنخرج أشبه إما بالمدمجين بها أو النافرين عنها، إلا أنها حاضرة حتى لو أننا تنكرنا لها وهاجرنا منها.  ولعل الالتصاق بالأرض/ الحياة الذاتية، هو رغبة في العثور على "الأصالة"التي أتخلى عبرها عن الملاومة ذات الاتجاهين بين ذاتي وقدري، أو الوجهين المتقابلين بفكرة واحدة: وهي أنا، فيكون أحدهما ذاتي، والثاني كل آخر غيري. للحق، لم أكن يوما ذات هوس بعراك مع الخارج، ولم أر أن غايتي كانت التطلع المفرط للبعيد، صحيح أني عانيت من تكرار عقدة "إثبات الذات"نوعا من الانعكاس عن اتجاه التغييب الذي مشى معي مشوارا غير قصير من بكارة سعيي، ولكن حتى هذا لم يخرج ولا بصورة قريبة من صراع، أي صراع، على أي مستوى! لربما لإيمان طفولي متعقل بأن الله خلق الحياة تسعنا جميعا، وأن الاقتتال على وقت الحياة ومدخراتها هو نوع من الكفر بالله وحكمته. ولعل هذا يقرر-...

أرض التوحيد

صورة
  عندما تنظر إلى هذه الراية تعلم أن حق الكلمة التي خُطَّت عليها  يتجاوز الزمن إلى أول ما أراد الله من خلقه يوم خلق السماوات والأرض: إنه التوحيد، الذي لأجله أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وكانت الجنة والنار، وهو الفصل بين حزب الله وحزب الشيطان، وهو بلاغ الله إلى خلقه، وحجته على عباده، وبه كان قبول الأعمال أو ردِّها. والتوحيد نعمة في ذاته لا نطيق إحصاء حسناتها، فالتوحيد احترام للعقل البشري ، وسلامة للعالم الداخلي للإنسان، كما أنه صيانة لجناب الجماعة كاملة، وكيف لا يكون للتوحيد كل هذه البركة لو طالعنا كيف أن نقائض هذا التوحيد تضرب أمما فتحيق بها مهاوي الخرافة والشعوذة والرذيلة والظلم، حتى إن ضمور التوحيد في قلب الإنسان لا يخرجه من ملة الإسلام وحسب، بل إنه يحول به إلى أن يصبر "دابة" لا اعتبار لها لا في  دين ولا دنيا، فتصبح الجرائم عنده عادة، والخذلان حال متصلة، وكل هذا لانقطاع ما بينه وبين النجاة: ألا وهو التوحيد.  إن أكرم الذكريات التي أحفل بها في يوم البلاد الوطني، المملكة العربية السعودية؛ أننا درجنا على تربية قوية لصحة المعتقد في قلوبنا منذ كنا صغارا. ذلك أن خلو المجتم...

الذكريات أكبر مما نحن فيه

صورة
موقف الذكرى أكبر من ذلك الذي فعلنا أو فُعِل علينا أو بنا! في الماضي، في تلك اللحظة التي قدّر الله أن تسوس حياتنا التالية بعدها، كانت التضاريس المحيطة أوسع من زاوية التركيز على قتامة الحدث أو حتى مسرته.  لو أننا عدنا لفتح الضوء على ظروف الذكرى، ماذا ترانا قد نرى؟ لافتة إعلانية بلون أصفر، امرأة ترتدي عباءتها بطريقة لم تعد معتادة اليوم، أطفالا يبكون عند دخولهم بوابة المدرسة صباحا، طوابير من الطلاب في المرحلة الإعدادية والثانوية أمام كافتيريا تبيع شطائر الجبن والبيض فقط! وهناك الحرارة ذات الرائحة الكيروسينة في محطة البنزين، والسماء تشبه الفتاة التي فاقت فزعة من نومها لأن موعد الحصة الأولى قد دخل. ولعل ثمة أمٍّ تصيح هنا وهناك سخطا على شقاوة أطفالها تشكل بصياحها وصراخهم خلفية موسيقية للمشهد الذي نحن على مقربة منه أكثر منها. والعديد المتنوع من موقف القدر لأكثر من شخص كان على حواف موقف الذكرى الخاصة بنا جدا- كما كنا نظن-! أين ذهب كل أولئك، لماذا قتلنا التشكيلة القدرية المكتملة واجتزأنا ما يخصنا فقط من مسير الحياة المتشابك بنا وبهم وبآخرين لا نحصيهم عددا!  ربما أنه في ذلك الركام المتها...

قصة الشيطان

صورة
  ما كان ليهيء لنا يوما أن تصبح قضايا الجن والشياطين ضمن أطروحاتنا الفكرية التي نناقش كما ننقاش أمور الاجتماع والاقتصاد والأدب  عامة!؟ ذلك أن هذه الأطروحات هي من جملة  مباحث قضية الغيب الكبرى، وما دمنا قد سلمنا بأن الله هو الغيب، وأن ما غيّب الله عنا من عوالم وأقدار، فلا مجال لنا للكشف فيها فضلا عن التسلط عليها؛ فإن هذا الاعتقاد بالتسليم التام لله فيما غاب عنا على مرادِ مطلوبِ الله منا من الإيمان بالغيب، هو الموقف الوحيد الواجب علينا اتخاذه لِنَسْلَمَ أولى وآخرة من تبعاتٍ لا حول لنا فيها ولا قوة عليها.  ولكن، ومن منحى آخر، قد نقول بأن الغفلة عن الشيطان وكيده هي من مكائد الشيطان أيضا؟! فكون الإنسان يعتقد بأنه في مأمن من تسلط الشيطان عليه، هذا بحد ذاته مخالف للمعتقد السليم جملة، وهو الوارد في قوله تعالى " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين"، وكما جاء في السنة الشريفة من أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، عدا عن الأمر بتعهد التحصين الشرعي صباح مساء وعند تغير الأحوال حماية للإنسان من تسلط الشيطان وأعوانه عليه.  من هنا ننتهي إلى أن المنجاة من الشي...

الكاتب والمكتوب

صورة
  اليوم لدينا مشكلة حرجة في مطلبنا الثقافي والمعرفي - على قاعدة توسيع المعرفة عبر القراءة- ومثار هذه المشكلة: أننا لم نعد نجد شيئا جديرا بالقراءة بحيث يبني لنا وجهة نظر ورأي وانطياع ما عن حياتنا؟! ذلك أن  نواة الثقافة، ليست الثقافة في تراكم العدد المقروء من مصادر القراءة، ولكنها فيما طبعت هذه الثقافة على ذائقتك الأدبية والرؤيوية بما تجدك به تثرى وتنضج.  هل أننا قرأنا كل شيء كان يستحق القراءة، واليوم لا شيء يستحق القراءة حقا؟! لن أعيش نوستالجيا الماضي، عندما كنا نسابق العمر لكي نقرأ من هنا وهناك، مع قوة زحمة حياتنا ما بين الدراسة وملاحقة أسباب العيش -أحيانا - مع ما نحمله من الانتقال بين المراحل العمرية من أعباء. ومع هذا، كنا في جنون أن نعثر على مادة نقرأها ونناقشها في عقولنا، وتذوب نفوسنا فيها عشقا مع آخر سطورها.  ولن أقرر هنا بأن الأجيال الجديدة من الكتّاب والمنشور من الكتب هو من الركاكة بأن أصبح النشر جانيا أكثر منه ضحية، ذلك أن المشكلة بدأت مبكرا حتى في عصر أوج القراءة، لنقل عصر نجيب محفوظ وأنيس منصور وغيرهم من الكتّاب في تلك المرحلة التي شهدت شباب الكتابة حينها ال...

مذاقات كتابية- الكتابة وقتيًا

صورة
  في طور النمو، إذ نكبر واحتراف الكتابة هو منتهى حلمنا، تلاعب  الكتابة الحكمة في وعينا: فالكاتب هو الحكيم ولابد! بل إن الكاتب يتحلى بما يفتقر إليه الحكيم: وهي الشجاعة، فالحكيم آثر الجبل في حين أن الكاتب ارتمى على كل زاوية مأهولة بالناس ومآسيهم! وإذ من المفترض أن كلام الكاتب لا يمازجه سوء التقدير ولا قصر النظر؛ كيف وهو الكاتب الذي عمله أن يفيد الناس برؤى تساعدهم على إدراك حياتهم من منظور أكثر اتساعا و أعمق فهما.  لذا، كان الكاتب - بحسب هذا الظن- لا محيص وأن يكون قد بلغ من العمر مبلغ الكمال رَوِيَّةً، كما أن الصدق هو معامله الوحيد ليحول الصورة الناطقة للحياة حين تصمت فلا تزودنا بالإجابات، عدا عن مراكمة الخبرة المعرفية، وما اكتسبه من مراقبة تقاليب الأقدار بأهلها؛ وهو ما يكسبه رؤية بعيدة النظرلما هو حاضر وآنيٍّ ووقتيٍّ في لحظتنا المعاصرة.  الكاتب هو ذاك الذي ينسج من الظروف العاجلة نسجا تجريديا للحكمة المصطفاة من الأحداث، إنه يفسر لنا السير الضخم للكون والإنسان متمثلين في الحياة كأحدوثة أزلية ينعت أولُّها تفصيلاتِها، وبألوان الشقاء فيها نجدد الفرح يقينا بأن الثابت سيظل هو...

الحب بينهما

صورة
  الزواج سكن ومودة ورحمة... ولكنه حب أيضا! لا يملأ مكان الحب إلا الحب نفسه، وكل ما يقال عن عوامل دافعة لاستمرار العشرة كوجود الأولاد، أو متقضيات الواجب الاجتماعي، أو أواصر الرحم الممتدة؛ كل هذه لا تستطيع أن تهيئ النجاح لعلاقة طويلة الأمد كالزواج ما لم يأت الحب أولا.  يقال الكثير عن التعويض مكان فقد الحب في الزواج، فيما لو لم يتحقق، إلا أن التجارب الإنسانية هي الفيصل هنا، وقد تراكمت هذه التجارب لتكون شهودا على أن تحقق الحب بين الزوجين ينعكس في بناء الأبناء روحيا وفكريا. فلا تجد ابنا هو ثمرة حب إلا وترى السكينة والتوفيق والشجاعة في الحياة والرغبة فيها؛ كلها ملامح شخصيته، حتى إن الغير يحب هذا الابن، من دون أن يعلم سبب هالة الحب التي تحيطه -أي هذا الابن- على مراحل حياته كلها. وعلى النقيض، تجد الألم والكآبة والحيرة تضرب مَنْ هو نتاج زواج منضبط ولكن من دون حب بين الوالدين، وإن لأكبر الألم الذي يحمله الابن على حياته المضطربة، أنه يعيش ذنب ضياع الحب بين والديه، وهو من آصار الروح التي لا تغالب.  وقد يكون صعبا أن نضطر شخصين إلى أن يحبا بعضهما، ولكنه أقل مستحيلا، من أن يعيشا حياتهما...

مذاقات كتابية - كتابة بنت نكتة

صورة
  الكتابات هي شخصيات، تماما كاختلاف طباع الناس. فمن الناس من يغلب عليه اتجاه العلمية فتجد كل مؤلفاته تصب في قوالب محسوبة بصنعة المختبر، ومنهم من هو ابن قلبه، فحيثما يكون قلبه يقوم لسانه، ولو كان في العذاب فإنه يحيله كلمات وقوافي. وقس على هذا الكاتب سليل الفكر، والكاتب منحوت الفنون، والكاتب الشعبي ابن حارته، والكاتب المثقف عصير مكتبته وكتبه.  وهكذا هو الكاتب صاحب الروح الخفيفة، الذي يريد أن يشركك بضحكات نفسه، لأن طبعه يميل للفرح- بحسب ما علمته حياته القزحية!. وهذا النوع من الكتابات المرحة ليست بغريبة في محيط الكتابة العربية منذ بدأ تدوين الطرف والنوادر، وما تحمله من سخرية ونقد تجسيمي يدورعلى الشخصيات المجتمعية والأوضاع السائدة، ولعله صوتا لقول: "لا"، ولكن من دون تحمل تبعات ما بعد هذه ال"اللا". وشخصيا، قد بتّ أميل مؤخرا، إلى الرأي لأن يجرب الكاتب قلمه في كل مذاقات الكتابة، لأن في كل وجهة منها، سيضطر الكاتب لأن يبني ثقافة الفن الكتابي الجديد، وهي ليست بمهمة يسيرة، ولكن حتى لو تخصص الكاتب في فن كتابي مستقل، فإنه ولا بد يفاد من الشعور بمستويات التعبير المختلفة فائدة ستغذ...

مذاق الحياة (1)

صورة
  ما أصعب أن تكون إنسانا بلا إنسانية، وليس هذا بالاختيار بل بالاضطرار! إذ كلما قفزت إلى مرحلة جديدة في أيامي، أقول أني في هذه المرحلة سأعيش بإنسانية، ولكني أنقل معي ذات الجمود والخرس .. واللإنسانية. مقصدي بالإنسانية هنا، هو أن تحيا متوافقا مع ذاك الذخير الفطري من المشاعر التي خلقها الله فينا. إننا كائنات راقية جدا، وهذ الرقي إنما أتى تلبية لقدرات ومواهب الرقي فينا. هذه المواهب التي لا يتم الكشف عنها بمجرد عبور الحياة على قاطرة كهربائية لا تقف إلا في محطة أخيرة، ثم ومرة واحدة فقط. إنه يتراكم وأنت تعالج سيرك بروحك كما بقدميك، للتوقف حين تتعب، وللتزود حين تنفذ، ولتعيد ترتيب خارطتك إذا وجدت أنك قد ضللت السبيل. إنها جمالية حقيقية لتلك المسيرة التي تقول في آخرها: كانت الحياة ، كل الحياة، محصلة تجارب وخبرات. الناس الذين يعزلون أنفسهم عن تجربة أنفسهم بكليتها في معاشهم اليومي، يكون قد فاتهم أن يعرفوا حقا من هم! ولماذا أتوا إلى الحياة؟ وما هو المطلوب منهم ليكونوا في أحسن تقويم كما خلقهم ربهم، وما يزال يخلقهم؟ اليوم، لا أرى مطلقا أن الذي يتمنطقون بالدين قد فهموا حقا دين الله، لأن دين ...

مجتمع "اللا" (4)

صورة
  مازلت  في حاجة للتأكيد على أن الهدف من هذه المقالات الموجزة؛ ليس الر على دعاوى الملحدين وتفنيد أرائهم، ذلك أن كل كتب العقيدة كافية بما  لا يدع مجالا لمزيد - إلا نادرا- في صد مفسدة الإلحاد من جذوره، فمن لديه شكوك عقدية فعليه العودة إلى كتب الاعتقاد خاصة التي ناقشت مسائل من نحو: إثبات وجود الصانع، والقضاء والقدر، والمشيئة والإرادة..إلخ مثل كتب مجموع الفتاوى الكبرى لابن تيمية رحمه الله. ولكن فكرتنا هنا هي أن نراقب شخصية الملحد، لأن الأنماط السلوكية والفكرية لهذه الشخصية تكاد تكون كاشفا مبكرا عن نوايا الإلحاد، أو احتمالية أن ينتهي حال صاحبها بأن يصير ملحدا.  والصورة التي نقدمها الآن، هي تلك المراوغات التي يلجأ إليها الملحد في نقاش الخصم، أو لإبراز ما لديه من فكرة أمام المستمع. ففي خضم ذلك التخبط الذي تدركه عاجلا، تكتشف أن الملحد لا يملك ما يقوله!! إنه قد يتحدث عشرات الساعات، ويطرق مختلف الطرق دون أن ينتهي من طريق واحدة! وهو في ذلك يهيئ لنفسه ، ولمن يسمعه تباعا، بأنه يمتلك معرفة واسعة بحيث تعجز الكلمات عن أن تحيط بها؟!  ولنا أن نقول أن هذه من أولى علامات أهل الباطل...

ما يسمى "الاحتياج"

صورة
  قريبا، مع انتهاء العام القادم 2025، يكون قد اكتمل الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، ما أسرع ما انقضت احتفالات الألفية!؟ مع دخول القرن الحادي والعشرين كانت التسارع في تثبيت "النمط الواحد" مسيطرا على الإنسان والعالم معا. ولربما لأول مرة نشعر بالانفصال بين الإنسان والعالم الذي من المتفرض أنه يعيش فيه ولا وجود له خارجه! ولكن ما حدث، أننا صرنا نضع تاثيرنا على الإنسان، ثم نضاعف هذا التأثر على العالم، فكل ما يخرج من هنا  يدخل هناك، وكل ما يثقل على هذا يخف على ذاك! حسنا، من نحن الذين صنعا كل هذا؟ نحن، وفقط! منظمة التجارة العالمية، العولمة، التجارة الحرة، التقنية الشاملة، الشركات العابرة للقارات ومتعددة الجنسيات...إلخ، ماذا عسانا نتذكر ، ولا ننسى، من مقولات افتتاحية القرن. ولكن، ماذا عنى هذا كله بالنسبة للإنسان، أنا وأنت، حيثما كنا وعلى أي حال كنا؟ على مسيرة الخمس والعشرين عاما الآخذة في الاكتمال، تم تقرير صورة نمطية لعالم يقوم على تلبية رغبات الإنسان المتسهلٍك. الاستهلاكية لم تعد إشكالية مجتمعية أو اقتصادية، لأن حاجة الماركات التجارية العالمية للتواجد على كل شبر على هذا الكوكب،...

مجتمع "اللا" (3)

صورة
  كم جريمة قد يرتكبها الإنسان في حق عقله! هذا العقل الذي هو أداة ذات سلوك مضاد: قد ينفع صاحبه وقد يهلكه. ولكن الإنسان في ذاته صاحب الإرادة لأن يضع عقله حيث ينتفع به. ذلك أن آليات العقل مخططات خطيرة استودع الله فيها قدرات الاكتشاف والتحليل بما يكسر حواجز الخوف بين الإنسان والعالم الذي يعيش فيه.  إلا أننا نرتكب جرما في حق عقولنا حين نضطرها إلى مطاوعة "الهوى" إذ نحث هبتها التخيلية على تصور محدد، ثم نحمل العقل على وضع تفسيرات لهذا التصور الذي لم يكن نتاج استدلالته من الأصل.  هنا يكمن تناقض الملحد مع عقله في تصور الإله، ثم في جحد وجود هذا الإله تاليا.  الملحد افترض تصورا عقيما للإله، إله ليس فيه من الصفات ما يبرر وجوده أصلا، ثم كفر بتصوره هذا، في زعمه أنه كفر بهذا الإله!! والحق، أن الملحد قد كفر بعقله وأجرم في حقه حين ألزمه وجهة محددة للبحث والتفسير.  في زمننا هذا، لم تعد الأسئلة الفطرية من نحو: لكل صنعة صانع فمن صنع هذا الكون؟! لم تعد هذه الأسئلة وبعض ما تم تناقله من إثباتات الفلاسفة ذات شأن في الرد على الملحدين. ذلك أن أبرز سمات زمننا، هو التوسع في المصادر. فالإنتر...

مجتمع "اللا" (2)

صورة
  الرابط الصوتي للمقالة:  https://youtu.be/hO5offXrNOU إن ما نقصده بعنوان النص" مجتمع اللا" هي مجموع الفئات التي تتكتل حول فكرة الإلحاد، أيا كان الاتجاه المعلَن عنها من قريب أو بعيد. وفكرة الإلحاد هي في جوهرها إنكار وجود الله عزوجل، ولعل أول ما قرره الله لنفسه في القرآن لإثبات وجوده كان فعل "الخَلْق"، فالله هو الخالق، وهو أمر لم ينازعه فيه أحد بالمطلق، حتى الذين قالوا بأن الطبيعة هي التي تخلق، لم يستطيعوا أن ينكروا من أي أتت أجناس الأشياء التي تآلفت فيما بينها حتى تشكل هذا الكون/الطبيعة! وهكذا فهم قد عادوا لما بدأوا به من الإقرار بضرورة وجود الخالق سبحانه وتعالى.  والحقيقة أن الإلحاد هو شر على النفس الإنسانية -أولا- قبل أن يكون معتقدًا منكورًا ومردودًا عليه.  فالملحد كما سنرى من صفات أفعاله هو إنسان قد طُمِسَت بصيرته، وصار في تناقض مع مسلمات العقل فيما يظن أنه يستعمله في إثبات إلحاده. ومع هذا العمه القلبي، لا فارق بين مستوى ثقافي أو طبقة اجتماعية أو دولة ينتمي إليها هذا الملحِد؛ لأن الطابع سيكون واحدا في الأفكار والأقوال والأفعال وحتى في تقاليد الحياة اليومية- لو ات...

مجتمع "اللا"(1)

صورة
  الاستتماع الصوتي للمقالة:  https://youtu.be/hO5offXrNOU في مسيرة الإنسان على هذه الأرض، لم يخل يوما  من قناعته بضرورة الانتماء إلى معتقد ما، أيا كان هذا المعتقد، إذ يكفي هذا الإنسان أنه يلبي بذلك حاجة ملحة داخله إلى وجود "معبود" يركن إليه ويمتلئ بمعيته خلال تقلباته ما بين نفسه وحياته في أقداره التي لا فرار منها .  ربما يكون هذا الكلام بدهيا؛ وأن الخروج عن هذه الفطرة هو شذوذ عند كل المجتمعات الإنسانية، وإذ قد حدث زمنا فإنه قد كان  كارثيا على كل الأصعدة. ويكفينا شاهدا قريبا، الاتحاد السوفيني المنحَل، كيف أن بذور انهياره كانت تنمو بقدر تطرفه في الإلحاد، ولم يشفع التحديث العلمي والصناعي والاتساع الجغرافي في لملمة هذا الانهيار، بل اللافت  أن التطرف في الإلحاد كان مواكبا للتطرف في الحكم العنصري وعنف السلطة، ولن تجد في التاريخ القريب أمة خرج منها العنف السلطوي بقدر ما كان في أمم الإلحاد. إن الغريب في أيامنا هذه، أن تزداد العقول التي ترتضي بالإلحاد بديلا عن الإسلام في ديار الإسلام! وما يزيد في الغرابة، أن هذه الموجة تعلو ضد الإسلام خاصة، مع أن الإلحاد هو في ترك ا...

حسم العاطفة

صورة
  لا جدال بأن الأمور الموضوعية يلزم فيه الحسم في الرؤية والحزم في اتخاذ القرارات. إلا أننا لا نشتط في التفكير، حين نقرر بأن شجون القلب يلزمها الحسم في قطع مصدر الداء، حتى لا يحيد بنا عن الهدى والسداد.  العاطفة علامتها أنها لا-وقتية، بمعنى أنها تريد أن تنبسط على مساحة أيامنا كلها! لا ترتبط بزمن إلا ساعة القلب في ذاته، وهي لا تقلق من فوات حظها في شيء إلا ما يفوتها من اشتغال صاحبها بأحداث قصصها الوليدة .  ولكننا كلما منحنا العاطفة وقتها، ازداد كربنا بها ومعها. فهي لا تفتأ تطلب المزيد من احتياط أعصابنا وسلامة خاطرنا. إنها كالغول الذي لا يشبع من نشر الخوف في الليل! صحيح أن اتخاذ قرار القطع يسبب ألما مريرا، ولربما هذا ما يسبب لنا العَود عن إنهاء الموقف مرارا وتكرارا.  ولكن الهروب من مواجهة ألم القطع لن يبعد عنا وقوعه في لحظة قد لا نكون فيها في أحسن حالات قوتنا لاحتماله! لن يضمن لك ذلك مخلوق!! كلما كنا أصحاب المبادرة كانت قوة نفوسنا أوفر، ولم يتفلت أمرنا من بين أيدينا. فالسلامة ليست بأقل خطرا من العاطفة، إلا أن ما يميز السلامة أنها "قرار" نتخذه، في حين أن العاطفة هي " لا قر...

الأسى الأمض

صورة
  تٌرزَق في هذه الحياة، والحياة كلها رزق، من يجعلك تشعر بالأسى على نفسك! الرزق ليس ذلك الرغد الذي لا تشوبه شائبه الحزن تارة، والفرح تارات أخر، ولكنه الذي تطمئن  فيه بأنك ما تزال تملك حدة التذوق لتفرق بين مرارة الانكسار، وحرارة الرغبة في الخروج منه.  نتصور عدة مرات، بأن العلاقات الإنسانية ما كانت من حكمة لها في أن تٌخلُق إلا لتمحيص صبرنا على ما يفوقه. ذلك أنك لو تابعت حيوات أهل الخبرة بتقلبات المصير، فإنك ولا بد ستخلص إلى أن معاناة الإنسان مع الإنسان، وفي الإنسان، لهي أكبر داهية الزمن الذي يحياه كل منا.  الذي يجعلك تشعر بالأسى على نفسك؛ من هو؟! بأي قدرة منحته كي يملك من نفسك أن يذل نفسك؟ هل هو حبيب غدر وفارق؟! أم وليف لم يكن على قدر ظنك وحلمك؟! أم صغير الحال في حين كنت أنت كبير الانتظار؟! في حسباني المحدود، فإن من امتلك أن يذيب قلبك أسى على نفسك: هو ذلك الذي تمكَن من أن يقلب عليك عواطفك، أو بمعنى أجل، مَن وهبت له إدراكك ليعيد رسم ما تدركه عن نفسك، بما في ذلك قلبك وعقلك.  هذا الذي أبطلنا لأجله كل مقاييسنا العتيدة، والذي طمعا منا في الاقتراب منه: نرانا خرجنا من كل ...

قصة مختلفة في الحب(1)

صورة
  اعتدنا أن نقرأ في منشورات الحب: بأن الحب يأتي فجأة! مثل سيل انحدر على قلبك من علٍ، أو صفعة قوية على روحك الخاملة، أو زلزال ضرب أركانك الخامدة؛ إنه كل ما يجعل الحب حدثا فوق الاستثنائي، يأتي في وقت استثنائي، وعلى شاكلة فوق -فوق الاستثنائية! ومع هذا الحب المصطدم بكلّنا، يركب كل من  الشغف وضرب من الجنون اندفاعا نحو الرغبة في الغرق - حرفيا- في الحب بكل تعرجاته، حتى لو كانت مواقفه قاسية أحيانا، على اعتبار؛ أن كل ما نمرُّ به هو من حراك الحب لننضج به وينضج بنا.  وقد كنت مثلك في هذا الظن. ولئن تقرأ مدوناتي القديمة هنا في الحب، سترى هذا الولع بإحداث التغيير الذي طالما أملنا به يتحقق من خلال الحب، حتى لقد تم تحميل الحب نفسه أكثر مما يحتمل. ولا شك أننا قد تلقينا هذا كله  من الروايات في كل ثقافات العالم، أو من الأدبيات التي تتحدث عن الحب وكونه محظة توقف غير مطروقة قادتنا إليها الأقدار لكي نقف ونتمهل وننظر من خلال الحب إلى أنفسنا فنعرفها كما لم تكن من قبل: تحارب الهواء، وتصدم في وجه الرمال، وتستبصر في وجه القمر- أي أنها تعرف ما تريد، ومن تريد!  حسنا، هذا النوع من الحب المعت...

هل لديكم أسئلة

صورة
  سنوات إثرا سنوات، والمقولة المتوارثة بأن الكاتب:  هو كائن مسكون بالأسئلة، تمضي دون رقيب!  الربط بين وجود الأسئلة واحترافية الكتابة، بل والترقي فيها، كان أشبه بلزمة الكتابة ذاتها. وللحق، أن الفكرة ليست عربية، بل هي قادمة من حيث تفجرت الكتابات الغربية والحداثية عموما. ومع هذا فقد كنت ، ورغم مهارتي في طرح الأسئلة كما أظن، في شك من أن "السؤال" قد يُخرج -بحق- كاتبا عربيا مسلما أصيلا؟!  إن الأسئلة المعنونة بأنها كائنات الكتابة إنما هي نوع الأسئلة الوجودية: المتعلقة بعلة وجود الإنسان، وفكرة وجود الخالق، وكيف المسير في الحياة وسط تناقضات الخير والشر والإصلاح والفساد والعدالة والظلم.  هذه الأسئلة المصيرية قد يكون مقبولا تفجرها في ييئات غاب عنها الوحي الإلهي، واستمرأت أن تخدش إنسانيتها كي تدرك أنها في النهاية إنسان ليس لديه إجابات كل الأسئلة. هل ترى- اليوم- هذا الانكفاء على الذات الذي انتهى كل الكتّاب في العالم: ما من إجابات، ولا مزيد أسئلة؟! وقد كنت -وما زلت- في تصور دائم، بأن الكاتب العربي المسلم ليست لديه مشكلة مع فكرة الوجود، لأن الوحي الإلهي قد أجابه عن كل الأسئلة ...

حفظ الحق اللأدبي

صورة
  كلنا، أو لعلهم أهل الاهتمام فحسب، يدركون مدى اللغط الذي أثاره نشر كتاب " في الشعر الجاهلي" لعميد الأدب العربي طه حسين. وعلى الرغم من أن الحكاية قد اكتملت فصولها وراء هذا الكتاب، غير أن ما تركه من أثر في الخصومات الأدبية والفكرية قد اشاح عن بؤرة سريعة الاشتعال حين يتعلق الأمر بالتراث العربي.  ولكن ليس عن هذا نتحدث هنا. بعد انقضاء سنين عددا على معركة كتاب " في الشعر الجاهلي"، استطاع كاتب لديه هوس في جمع المقتنيات القديمة من الكتب والمنشورات، أن يعثر في محل لبيع الأوراق القديمة والكتب المستعملة، وبعض النسخ النادرة كذلك من أمهات الكتب- استطاع هذا الكاتب أن يعثر على نسخة من ملف قضية التحقيق التي تضمت استجواب عميد الأدب العربي طه حسين حول كتابه المذكور، بعد أن تقدمت أكثر من جهة بشكاوى حول خطورة ما يعرضه الكاتب في كتابه من هدم لثوابت دينية ومجتمعية وتاريخية. فما كان من النيابة العامة في دولة مصر إلا أن تستدعي الكاتب لتحقق معه، ما دامت المسألة قد تحولت لقضية رأي عام. وعلى الرغم من أن النتيجة كانت لصالح طه حسين، حيث لم يتم إيقافه، ولا حتى منع نشر الكتاب، وإن كان الكاتب قد ...

افرَح..افرَح

صورة
 هل الفرح من الدين؟ أم أن الفرح دين في ذاته؟! في أيامنا المبكرة ، ورغم حضور داعي الفرح العفوي فينا، غير أنا كنا نرفض الفرح أحيانا! لا أدري ما كان الداعي لهذا الرفض. ولكن لا شك أنه في موقف ما: ظننا أننا نكون أكبر من أنفسنا حين نتوقف عن الفرح.  ثم تمضي السنون، ويأتينا من العمر ما نصير معه في لهفة لتتبع لحظات الفرح، وغالب فرحنا حينها يصير صاخبا، وكأننا نريد عبر الفرح أن نصير أصغر من أعمارنا الحقيقية.  وهكذا شأن الفرح، محبوب مغبون مع الإنسان.  حين أكون مع الفرح في مناسبة سعيدة، فأرى المبالغة في مباهج الاحتفال، أعرف أن هناك إرادة تعويض لشيء ما تمت خسارته في الماضي. لقد صرنا نحتفل صراخا، ونضحك صراخا، ونتمايل صراخا..صراخا .. صراخا.. صراخا، حتى إن تكريم المدراء والمعلمين والمتفوقين صار صراخا أيضا! فهل الفرح لا يحلو إلا صراخا؟! الصراخ صار ظاهرة مريضة في حياتنا، في الواقع وعبر الإنترنت، صرنا لا نفرق بين الهدوء الذي يرتقي بالإنسان، والصراخ الذي يدعه بلا عقل! لقد صار اليوم بحاجة لدراسة نفسية مجتمعية جادة لتناول الهيجان النفسي خلال مواسم الفرح. 

حين ينام العقل

صورة
  هل اختبرت يوما أنك في موقف تحتاج فيه لدقة التركيز وحضور الذاكرة القصيرة، فإذ بضبابية وزيف يقتحمان عليك مركز التحكم في فهم الأمور، وتجد أن ما كنت معتادا على حله إذ بك تسيء فهمه فضلا عن حله، بل وتخترع له حلا غير منطقي بحال؟! هذه الحال حين يكون عقلك نائما، وإن كنت مستيقظاـ وفي موقع خطر يجبرك على أن تكون في كامل وعيك، ولكن عقلك نائم في سباته الخاص.  التقاعل بين الوعي والعقل، بمعنى متى يكون عقلنا حاضرا ليعطينا وعيا سليما بالقضية، هي من المشكلات التي ما تزال غير مفهومة في علوم دراسات الإنسان الواسعة، متى يحضر العقل ومتى يهرب بنفسه منا؟! كيف نخسر بصيرتنا أحوج ما نكون إليها؟ ولماذا نفقد مهارة كنا قد تأكدنا من اكتسابنا بها في لحظة خاطفة، ثم ما تلبث أن تعود إلينا بعد الخروج من الموقف الصعب؟! كلها أسئلة تثير شكوكا حول مصداقية أننا نتحكم في عقولنا، وأن نعتبر أن هذا من تمام إرادتنا الحرة. صحيح أن معطيات العناية بالعقل: كالنوم الجيد، وتخفيف القلق، واتباع الآنظمة الغذائية السليمة، ونحو ذلك من شأنها أن تعدل من صحة العقل وتقلل من تعثره، ولكننا لا نضمن حقيقة أي شيء يتعلق بالعقل: متى يعتزلنا ا...

تُرَى من سيستهزئ بهم

صورة
  أكثر النماذج الإنسانية لؤمًا؛ تلك التي تجعلك "تستهزئ بنفسك" مدة وجودك معهم، ثم يتركون فيك وخز الاستهزاء بذاتك حتى بعد خروجهم من حياتك.  لقد بنيت لهم العظمة بقدر ما أنقصت من نفسك! وقد كانوا يهزأون بك حين تركوك وشأنك تعيش "الوهم" فيهم. كانوا أبطال روايات لا يقرأها إلا أنت، وكانوا النجوم في سماء منخفضة لا تظل سواك، وكانوا الحب في وقت شحّ فيه الحب حتى عن نفسه! الغريب أن هؤلاء الذين تظن أنهم التعويض عما تفتقر إليه من الحب، هم ،هم، الذين يسقونك مع الحب سخرية مريرة من قلبك، وعقلك، وأيامك فيهم، ولم أقل معهم، لأنهم - على الحقيقة- ليسوا معك، فأنت وحدك مَن تحترق فيهم، ثم لا يصبون عليك ماء السقاية! نفوس هؤلاء، الذين غلبوك على أمرك سخرية، ممتلئة بالفقر حد التسول. يبحثون عن وجوهم في عيون الآخرين، فإذ  بهم يصادفون مرآتك صقيلة وأصيلة، فيتسللون عليها، ويتسلُّون بالمساحات الفارغة فيها، حتى ليزحموك رويدا رويدا فتوشك أن تختفي من مرآة ذاتك.  أهل شحاذة الحب! غريب هذا الوصف، ولكنه في حقهم علامة دالة عليهم. فحيثما وجدت من يلهث خلف الحب على غاية أن يهبه الحب ما ليس لديه، فاعلم أن كل خداع ...