مجتمع "اللا" (3)
كم جريمة قد يرتكبها الإنسان في حق عقله! هذا العقل الذي هو أداة ذات سلوك مضاد: قد ينفع صاحبه وقد يهلكه. ولكن الإنسان في ذاته صاحب الإرادة لأن يضع عقله حيث ينتفع به. ذلك أن آليات العقل مخططات خطيرة استودع الله فيها قدرات الاكتشاف والتحليل بما يكسر حواجز الخوف بين الإنسان والعالم الذي يعيش فيه.
إلا أننا نرتكب جرما في حق عقولنا حين نضطرها إلى مطاوعة "الهوى" إذ نحث هبتها التخيلية على تصور محدد، ثم نحمل العقل على وضع تفسيرات لهذا التصور الذي لم يكن نتاج استدلالته من الأصل.
هنا يكمن تناقض الملحد مع عقله في تصور الإله، ثم في جحد وجود هذا الإله تاليا.
الملحد افترض تصورا عقيما للإله، إله ليس فيه من الصفات ما يبرر وجوده أصلا، ثم كفر بتصوره هذا، في زعمه أنه كفر بهذا الإله!! والحق، أن الملحد قد كفر بعقله وأجرم في حقه حين ألزمه وجهة محددة للبحث والتفسير.
في زمننا هذا، لم تعد الأسئلة الفطرية من نحو: لكل صنعة صانع فمن صنع هذا الكون؟! لم تعد هذه الأسئلة وبعض ما تم تناقله من إثباتات الفلاسفة ذات شأن في الرد على الملحدين. ذلك أن أبرز سمات زمننا، هو التوسع في المصادر. فالإنترنت بما أوجدته من ثروات وثورات في عالم المصادر المكتوبة والمسموعة والمرئية، كلها جعلت التعاطي مع العقل لا ينصب حول البديهة والفطرة بمعزل عن مصدر ثقة يعرض هذه البديهيات ويناقشها.
وقد يرى الملحد عجبا حين ندعوه إلى القرآن الكريم ليقرأ فيه تصورا للإله، وأن يناقش هذا التصور كما ناقش ودرس التصور عن الإله في المصادر القديمة والمعاصرة. وليس مثار العجب هنا، أن الملحد أصلا لا يؤمن بالقرآن!؟ ذلك أن مطالعة ما ورد في القرآن عن تصور الإله سيأتي من باب نقاش مصدر موجود ومعترف به كأحد مصادر المعرفة الإنسانية، ونقصد القرآن، فلا جدلية في صحة وجود القرآن كمصدر، وإن كانت الشبهات تدور حول الوحي عمليةُ جاء عبرها هذا القرآن - عند أهل الشبهات-.
مؤكد أن تصور الله عن نفسه كما قدمه في القرآن العظيم لا يقدمه أي مصدر آخر، فضلا عن تصور لعقل ينقض أسسه كعقل الملحد.
إن الإلحاد هوًى مطاع، ولو صدق الملحد مع موازين التفكير لدى عقله لكان أول من انقلب على هذا الهوى فشاهت بصيرته عن تعرف التصور الصحيح للإله في حياته.
تعليقات
إرسال تعليق