ما يسمى "الاحتياج"

 


قريبا، مع انتهاء العام القادم 2025، يكون قد اكتمل الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، ما أسرع ما انقضت احتفالات الألفية!؟

مع دخول القرن الحادي والعشرين كانت التسارع في تثبيت "النمط الواحد" مسيطرا على الإنسان والعالم معا. ولربما لأول مرة نشعر بالانفصال بين الإنسان والعالم الذي من المتفرض أنه يعيش فيه ولا وجود له خارجه! ولكن ما حدث، أننا صرنا نضع تاثيرنا على الإنسان، ثم نضاعف هذا التأثر على العالم، فكل ما يخرج من هنا  يدخل هناك، وكل ما يثقل على هذا يخف على ذاك! حسنا، من نحن الذين صنعا كل هذا؟ نحن، وفقط!

منظمة التجارة العالمية، العولمة، التجارة الحرة، التقنية الشاملة، الشركات العابرة للقارات ومتعددة الجنسيات...إلخ، ماذا عسانا نتذكر ، ولا ننسى، من مقولات افتتاحية القرن. ولكن، ماذا عنى هذا كله بالنسبة للإنسان، أنا وأنت، حيثما كنا وعلى أي حال كنا؟ على مسيرة الخمس والعشرين عاما الآخذة في الاكتمال، تم تقرير صورة نمطية لعالم يقوم على تلبية رغبات الإنسان المتسهلٍك. الاستهلاكية لم تعد إشكالية مجتمعية أو اقتصادية، لأن حاجة الماركات التجارية العالمية للتواجد على كل شبر على هذا الكوكب، جعلتنا كلنا نعيش مذاقا واحدا للأشياء، أي أنها استئصلت بعنف التنوع الداخلي للتفريق بين الأشياء. كلنا، وحرفيا كلنا، نأكل طعاما واحدا بمذاق واحد محدد سلفا، كما أن اللباس لم يعد يعكس أي هوية لثقافة خصيصة كما هي قصة تطوره مع الإنسان، عدا عن أن شيئا كامنا كان يستبيحنا: فكرا وسلوكا وحتى عاطفة! إنه "الاحتياج"! فما كان لكل تلك الأيدي أن تمتد إلى حيانتا - فتطبعنا بطابعها المؤدلج- لولا ما رسخته فينا من أننا "بحاجة": بحاجة للمزيد من الفقر، لا للمزيد من الكفاية، فضلا عن الغنى!

في زمن متتابع، كانت المقولة: أنا أفكر إذًا أنا موجود، ثم تطورت إلى: أنا لدي عدو إذًأ أنا موجود، حتى صارت اليوم: أنا "أحتاج" إذًا أنا موجود! إذ بقدر ما تعلن عن احتياجك لشيء ، أي شيء، فأنت الأول في هذا العالم. ولكن صدقا ما نوع هذا الاحتياج؟ إنه الاحتياج المنصوص عليها مسبقا، لذا ليس لك من حق في أن لا تحتاج.

إن الاحتياج في ذاته وهم، ولكن مغذيات هذا الوهم هي حقيقية: السياسات الدولية، الصراعات والحروب، معدلات الجوع والبطالة، ارتفاع معدلات التضخم الاقتصادي، تزايد خط الانقسام بين الفقراء والأغنياء سريعا، اختراع الأمراض قبل اختراع العلاجات والمصول الواقية..! هل تصبح الحقيقة مصدر الوبال الأول حين يكون وليدها وهمًا!

لا أدري أين نمضي، لأننا لم نعد نبصر أننا "نحتاج" بجنون "لللا-شيء"! ذلك أن السمة السلوكية الأبرز على كل واحد من أهل هذه الكوكب : أنه ترك كل ألوان الشعور، وتخلى عن تقلبات الأفكار، ليعيش شعورا واحدا اتحدت فيه قوى النفس والعقل: وهو الاحتياج. 

فما شكل الحضارة القادمة للربع الثاني من القرن حين يصنعها إنسان لا يعرف كيف يكتفي، لأنه قد أصيب بلوثة تسمى "الاحتياج".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )