مجتمع "اللا"(1)

 


الاستتماع الصوتي للمقالة: 

https://youtu.be/hO5offXrNOU


في مسيرة الإنسان على هذه الأرض، لم يخل يوما  من قناعته بضرورة الانتماء إلى معتقد ما، أيا كان هذا المعتقد، إذ يكفي هذا الإنسان أنه يلبي بذلك حاجة ملحة داخله إلى وجود "معبود" يركن إليه ويمتلئ بمعيته خلال تقلباته ما بين نفسه وحياته في أقداره التي لا فرار منها . 

ربما يكون هذا الكلام بدهيا؛ وأن الخروج عن هذه الفطرة هو شذوذ عند كل المجتمعات الإنسانية، وإذ قد حدث زمنا فإنه قد كان  كارثيا على كل الأصعدة. ويكفينا شاهدا قريبا، الاتحاد السوفيني المنحَل، كيف أن بذور انهياره كانت تنمو بقدر تطرفه في الإلحاد، ولم يشفع التحديث العلمي والصناعي والاتساع الجغرافي في لملمة هذا الانهيار، بل اللافت  أن التطرف في الإلحاد كان مواكبا للتطرف في الحكم العنصري وعنف السلطة، ولن تجد في التاريخ القريب أمة خرج منها العنف السلطوي بقدر ما كان في أمم الإلحاد.

إن الغريب في أيامنا هذه، أن تزداد العقول التي ترتضي بالإلحاد بديلا عن الإسلام في ديار الإسلام! وما يزيد في الغرابة، أن هذه الموجة تعلو ضد الإسلام خاصة، مع أن الإلحاد هو في ترك الانتساب إلى أي دين، بصرف النظر عن اسم هذا الدين ومصدريته، وعلى هذا فنحن مع إلحاد ممنهج يدرج في محاربة صريحة للإسلام وحسب.

كل الأطروحات التي يقدمها ملاحدة اليوم من العرب والخارجين من الإسلام هي شبهات واهية جدا، تم تجميعها مسخا من افتراءات المستشرقين تارة، واللادينيين في الأمم الأخرى، ثم إقحام هذا كله في العقل المسلم بحجة التنوير والتجديد.

إلا  أننا يجب أن نحسب لتلك الأصوات الملحدة الأولى بأنها كانت أقوى في الدعوى  وأمعن في التخصص من الأصوات الواهية اليوم. هذه الأصوات التي يرى المتأمل لحالها كما مقالتها، أنها يدفعها دافع الهوى والشهرة والشهوة إلى الحرام وإشاعة الفوضى، بعيدا عن داعي الفكر والوعي كما يروجون ظاهرا. 

ومن تسخير الله لهذا الدين، أنه ليس ببعيد عن أيامنا من عاصرنا من علماء تحدثوا بلغة العصر في الرد على كل أباطيل الملاحدة حتى لقد تم دفنها سنين عددا، قبل أن تعود إلى البعث الآن. 

كان تجديدا حقيقيا للدين ذلك الذي تقلّده أولئك العلماء متمسكين بحبل الله المتين : القرآن والسنة،  يشتقون منهما فهمًًا سليما على أصول هذه الأمة التي ضمن الله لها عدم الزيغ جملة واحدة عن دينه، في كرامة وعد بها نبيه عليه الصلاة والسلام وكانت من خصائص هذه الأمة الخاتمة.

نجد ردود العقيدة عند الشيخ محمد عثيمين في دروس الاعتقاد، وفتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز، والرد على الجوانب العلمية والتشريعية التي ضغط من خلالها الملاحدة زمنا في تفسير الشيخ الشعراوي، وقوة رد المنهج بالمنهج في كتب الشيخ البوطي، ونقاء التجديد في الفكر المتمسك بأصول الدين في كتب الشيخ محمد الغزالي، والعديد العديد من علمائنا المعاصرين ممن قاموا بمهمة الدفع عن دين الله حتى مكّن الله لجهودهم أن تنير لأجيال عدة ممن عاصروهم وجاءوا بعدهم، ولا نزال نعود لموروثهم من الكتب والتسجيلات للتفقه في دين الله والذب عنه. ولقد ذكرت هنا مجددي العصر الحديث، مع إيماننا بأن الخير قد أتى من منهاج السلف البعيد الغور في الرد على الشبهات  التي كانت تفور في كل عصر من عصور الإسلام، وهذا كله وعدا حقا من الله تعالى ببقاء هذا الدين كما ارتضاه يوم أنزله نقيا تخدمه عقول وقلوب تنفي عنه زيغ الضلال وتطرف المغالين. 

يكفي العودة إلى هذه المراجع القريبة ليظهر لنا كم هي واهية خيوط الإلحاد اليوم ومكرورة بعبثية وضعف، وأن تفككها حاصل هو  من قريب أقرب مما تتصور- بإذن الله-. 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )