مجتمع "اللا" (2)

 



الرابط الصوتي للمقالة: 


https://youtu.be/hO5offXrNOU

إن ما نقصده بعنوان النص" مجتمع اللا" هي مجموع الفئات التي تتكتل حول فكرة الإلحاد، أيا كان الاتجاه المعلَن عنها من قريب أو بعيد. وفكرة الإلحاد هي في جوهرها إنكار وجود الله عزوجل، ولعل أول ما قرره الله لنفسه في القرآن لإثبات وجوده كان فعل "الخَلْق"، فالله هو الخالق، وهو أمر لم ينازعه فيه أحد بالمطلق، حتى الذين قالوا بأن الطبيعة هي التي تخلق، لم يستطيعوا أن ينكروا من أي أتت أجناس الأشياء التي تآلفت فيما بينها حتى تشكل هذا الكون/الطبيعة! وهكذا فهم قد عادوا لما بدأوا به من الإقرار بضرورة وجود الخالق سبحانه وتعالى. 

والحقيقة أن الإلحاد هو شر على النفس الإنسانية -أولا- قبل أن يكون معتقدًا منكورًا ومردودًا عليه. 

فالملحد كما سنرى من صفات أفعاله هو إنسان قد طُمِسَت بصيرته، وصار في تناقض مع مسلمات العقل فيما يظن أنه يستعمله في إثبات إلحاده. ومع هذا العمه القلبي، لا فارق بين مستوى ثقافي أو طبقة اجتماعية أو دولة ينتمي إليها هذا الملحِد؛ لأن الطابع سيكون واحدا في الأفكار والأقوال والأفعال وحتى في تقاليد الحياة اليومية- لو اتضح الأمر-.

ا1. الملحدِ يقول: "لا" لفكرة "التنظيم" و"السببية" وما يترتب عليهما من الثواب والعقاب: أي أن الملحد يرفض وجود جهة مصدرية يرجع إليها الناس في تغذية أفكارهم وصلاح دنياهم. وحتى لو تظاهر أنه يدين للقانون، فإنه - لامحالة- سيرفض تطبيق القانون على نفسه، لأنه لا يتعرف بجهة تشريعة لهذا القانون، حتى لو كانت سلطة مدنية اجتمع عليها أهل بلده. 

2. الملحِد عدو لكل سلام مجتمعي أو اتفاق يصطلح عليه العرف/ الناس: لم يتمكن الملحد من أن يكون متوافقا مع أي رأي يستقر عليه المجتمع حفاظ على أمنه وسلامة أحواله. ذلك أن الملحد لديه رفض خالص لفكرة الولاء لجهة محددة ليس هو فيها. هذا الشعور الدائم بوجود هوة بينه وبين أفراد مجتمعه؛ يراه الملحد من وجهة نظره الفوقية بأنه حريته الفكرية واستقلاليته المفروضة! ولكن وراء هذا هو يتستر لينسل من أي عقد يجبره على سلوك اتجاه محدد، أو لئلا يكون ضمن "القطيع" كما يتراءى له مجتمعه بأكمله. 

3.الملحِد لا يعترف بولاية ولي الأمر من المسلمين: وهذه نقطة خطيرة جدا، لأن الملحد سيكون منحرفا دوما للآخر ضد مجتمعه. ففكرة وجود سلطة مركزية أو ولي أمر أو شريعة حاكمة، هي بالنسبة له تعني انهيارا لعقيدته الإلحادية التي منبتها في الرفض للسلطة،أي كان نوع هذه السلطة، وكذلك أيا كان التوجه العام للسلطة عاملا لمصلحة المجموع. لذا، لا عجب أن ولاء الملحد هو في كل حال لمن هم خارج بلده ومنطقته وجذور ثقافته. فهو في سعي حثيث للخروج من ذات أولى هي عقيدته، ثم الخروج من ذات ثانية هي مجتمعه، ثم الخروج من ذات ثالثة هي وطنه، ثم الخروج من ذات أخيرة هي إنسانيته! كيف؟!

4. الملحد خارج عن الإنسانية: وهذا حق بتتبع تاريخ الإلحاد، مع أنه تاريخ ليس بالطويل أو الخصب. فالملحد لا يعترف بقيمة الإنسان، من حيث كونه إنسانا، لأنه لا يملك مصدرية تشرح له ما معنى أن يكون إنسانا؟ أو لماذا كان الإنسان هو الكائن الأهم في سلسلة الحياة على الأرض؟! فهذه الأسئلة الغيبية لا تجيب عليها سوى المرجعيات السماوية، وفي ظل رفض الملحد لأي مرجعية عليا ، ولو كانت إلهية، فإنه يكون في  رؤية ذات غبش حين يضطر إلى اتخاذ موقف مؤثِّر فيما يتصل بالإنسان. 

ولهذا نجد زعماء الإلحاد حين وصلوا إلى السلطة قد تطرفوا في القتل، كما اتخذوا العنف منهاجا منمذجا عندهم. وهذا يقودنا إلى خصيصة خامسة للملحد وهي أنه "متطرِف" في كل شيء! متطرف في فكره، ومتطرف في ردود فعله، ومتطرف في رفض كل آخر لا يأتي على هواه المريض. 

إن الإلحاد هو تطرف بشع لأنه يرفض كل القواعد التي تنصلح بها حياة الإنسان على هذه الأرض. ولعل إشاعة الفوضى في الأفكار والسلوك والغرائز والمطامع، كلها كانت صورة البيئة التي يبنيها الملحد حول نفسه ومجتمعه، والتي شارتها أنها : مجتمع "اللا".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )