مجتمع "اللا" (4)

 




مازلت  في حاجة للتأكيد على أن الهدف من هذه المقالات الموجزة؛ ليس الر على دعاوى الملحدين وتفنيد أرائهم، ذلك أن كل كتب العقيدة كافية بما  لا يدع مجالا لمزيد - إلا نادرا- في صد مفسدة الإلحاد من جذوره، فمن لديه شكوك عقدية فعليه العودة إلى كتب الاعتقاد خاصة التي ناقشت مسائل من نحو: إثبات وجود الصانع، والقضاء والقدر، والمشيئة والإرادة..إلخ مثل كتب مجموع الفتاوى الكبرى لابن تيمية رحمه الله.

ولكن فكرتنا هنا هي أن نراقب شخصية الملحد، لأن الأنماط السلوكية والفكرية لهذه الشخصية تكاد تكون كاشفا مبكرا عن نوايا الإلحاد، أو احتمالية أن ينتهي حال صاحبها بأن يصير ملحدا. 

والصورة التي نقدمها الآن، هي تلك المراوغات التي يلجأ إليها الملحد في نقاش الخصم، أو لإبراز ما لديه من فكرة أمام المستمع. ففي خضم ذلك التخبط الذي تدركه عاجلا، تكتشف أن الملحد لا يملك ما يقوله!! إنه قد يتحدث عشرات الساعات، ويطرق مختلف الطرق دون أن ينتهي من طريق واحدة! وهو في ذلك يهيئ لنفسه ، ولمن يسمعه تباعا، بأنه يمتلك معرفة واسعة بحيث تعجز الكلمات عن أن تحيط بها؟! 

ولنا أن نقول أن هذه من أولى علامات أهل الباطل! فالحق له بيان قوي وخالص على ألسنة أهله، لأن قوة الحق هي التي تعدّل اعوجاج الفكر والمنطق، ولأن الملحد خاويا من الحق تجده يهذي -حرفيا- بكل شوك معترض للشبهات، دون أن يكون هو على امتلاء مما يقول ويدعي. 

ولو أردت لعقلك أن يتعب، فاستمع إلى الملحد، فهو سريعا ما يملي عليك حال العبثية والضبابية وكأنهما شرعة الحياة، في حين أن كل محلهما هي نفسه المضطربة. 

وهذه سمة أساسية للملحد: وهي ، أنه شديد المزاجية! فالاضطراب في عقله طبع روحه وكذلك أسلوب معيشته. وهو سريع التقلب ما بين الأقصى والأقصى المقابل، لا لأنه حرٌّ فكريا، ولكن لأنه لا يبني تبنيه للرأي أو الفكرة على تمحيص ودراسة وعقل متزن ونفس تبحث عن الحق فعلا. لذا، فإن عابد الوثن، والمعتقِد بالكوكب، بل والذي يعيش مع الشياطين من السحرة والكهان، كل هؤلاء يمكن أن يعودوا إلى الحق لو أقيمت عليهم الحجة، أما الملحد فإنه سيظل في تلّون وفرار أينما دخلت عليه من مدخل.

الملحد لسان حاله يقول: هو هكذا، أنا هكذا، الحياة هكذا..وانتهى! إن عقله يتعب من التفكير أبعد من لحظته، ومهما جادل في دروس التاريخ وادعى أنه اطلع على حيثيات القضايا التي يناقشها عند الأقدمين والمعاصرين؛ فإنه في الحقيقة "يكذب" ويتوارى خلف انغلاق فكري وضيق صدر يتنافيان مع أي بحث علمي أو نقاش مثمر. 

من هنا، ونظرا لضعف ما لدى الملحد من بضاعة فإنك تجده شديد الانفعال، مستشعِرا الخطر كل لحظة، تهوله الجموع حيث تحتشد عليه، ويخور حين لا يرى مؤيدا أو ناصرا حوله. ولعلنا في غنى عن التأكيد أن هذه الحال هو على الضد من حال أهل الحق، الذين لو اجتمع أهل الأرض كلهم على أن يزيحوهم عن حقهم، فإنه لا يتركونه ولو كان فيه مقتل أرواحهم. 

الملحد آفة نفسية في مجتمعه، ومعرَّة فكرية في حضارته، لأنه الوجه للعبث متجسدا في صورة حية: يتحرك على غير غاية، ويموت على لا شيء.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )