الذكريات أكبر مما نحن فيه
موقف الذكرى أكبر من ذلك الذي فعلنا أو فُعِل علينا أو بنا!
في الماضي، في تلك اللحظة التي قدّر الله أن تسوس حياتنا التالية بعدها، كانت التضاريس المحيطة أوسع من زاوية التركيز على قتامة الحدث أو حتى مسرته.
لو أننا عدنا لفتح الضوء على ظروف الذكرى، ماذا ترانا قد نرى؟ لافتة إعلانية بلون أصفر، امرأة ترتدي عباءتها بطريقة لم تعد معتادة اليوم، أطفالا يبكون عند دخولهم بوابة المدرسة صباحا، طوابير من الطلاب في المرحلة الإعدادية والثانوية أمام كافتيريا تبيع شطائر الجبن والبيض فقط! وهناك الحرارة ذات الرائحة الكيروسينة في محطة البنزين، والسماء تشبه الفتاة التي فاقت فزعة من نومها لأن موعد الحصة الأولى قد دخل. ولعل ثمة أمٍّ تصيح هنا وهناك سخطا على شقاوة أطفالها تشكل بصياحها وصراخهم خلفية موسيقية للمشهد الذي نحن على مقربة منه أكثر منها. والعديد المتنوع من موقف القدر لأكثر من شخص كان على حواف موقف الذكرى الخاصة بنا جدا- كما كنا نظن-! أين ذهب كل أولئك، لماذا قتلنا التشكيلة القدرية المكتملة واجتزأنا ما يخصنا فقط من مسير الحياة المتشابك بنا وبهم وبآخرين لا نحصيهم عددا!
ربما أنه في ذلك الركام المتهالك نجد إجابة لسؤال عالق يدور حوله ألمنا الملتف في تلك الذكرى؟ القدر يحمل إجابته في ذاته، دعنا لا ننسى هذه اللطيفة. وتلك الأسئلة التي تسمى "وجودية" لو كانت خارج سياق أقدارها فما هي إلا عبث يموج في ذهن غافل، لأن الأسئلة تكمن في حتمية الموقف واختيارنا أن نفعل أو أن يُفعَل بنا أو علينا، لذلك فإن الذكرى هي حتمية لدرجة لا يمكن لنا أن نلغي أقدارها المحملة بها.
كم أود لو أمتلك مزيدا من الخيال لأعيد بناء مشهد الذكرى من زاوية القدر، لا من رؤيتي كمفعول به أو فيه أو عليه. القلق يكمن في المجهول، والمجهول الذي تركنا خلفنا في موقف الذكرى القديم هو سبب أننا لن نفهم لماذا ماتزال تلك الذكرى تئن حتى اللحظة داخلنا.
تعليقات
إرسال تعليق