أرض التوحيد
عندما تنظر إلى هذه الراية تعلم أن حق الكلمة التي خُطَّت عليها يتجاوز الزمن إلى أول ما أراد الله من خلقه يوم خلق السماوات والأرض: إنه التوحيد، الذي لأجله أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وكانت الجنة والنار، وهو الفصل بين حزب الله وحزب الشيطان، وهو بلاغ الله إلى خلقه، وحجته على عباده، وبه كان قبول الأعمال أو ردِّها. والتوحيد نعمة في ذاته لا نطيق إحصاء حسناتها، فالتوحيد احترام للعقل البشري ، وسلامة للعالم الداخلي للإنسان، كما أنه صيانة لجناب الجماعة كاملة، وكيف لا يكون للتوحيد كل هذه البركة لو طالعنا كيف أن نقائض هذا التوحيد تضرب أمما فتحيق بها مهاوي الخرافة والشعوذة والرذيلة والظلم، حتى إن ضمور التوحيد في قلب الإنسان لا يخرجه من ملة الإسلام وحسب، بل إنه يحول به إلى أن يصبر "دابة" لا اعتبار لها لا في دين ولا دنيا، فتصبح الجرائم عنده عادة، والخذلان حال متصلة، وكل هذا لانقطاع ما بينه وبين النجاة: ألا وهو التوحيد.
إن أكرم الذكريات التي أحفل بها في يوم البلاد الوطني، المملكة العربية السعودية؛ أننا درجنا على تربية قوية لصحة المعتقد في قلوبنا منذ كنا صغارا. ذلك أن خلو المجتمع من التقرب إلى القبور، وعبادة الأولياء من دون الله، والاعتقاد بذم السحر والابتعاد عن العرافين والكهان، وكل تلك المنظومة التي تشل -حرفيا- معتقد العبد في ربه- كل هذا كان بعيدا عن البيئة الصحيحة التي نشأنا بها في هذه البلاد المباركة. وهو للحق مما يُشهَد لها به إلى يوم الدين ، وما لا ينكره عاقل عادل في أمره: هو أن هذه البلاد كانت في همٍّ عظيم لتثبيت صفاء العقيدة والبعد من كل ما يشوب سلامة الدين ، قدر جهدها، لذا كانت في عافية لا ينكرها من عاش على أرضها: عافية في الدين ما نزال نعيش أفياءها حتى اليوم.
إن السياسة الشرعية تقضي من السلطة في الدولة ، أي دولة، أن يكون أول مهامها حفظ الدين، لذا كانت الكليات الخمس مدارها على أول كلية وهي حفظ الدين. والدولة في الإسلام تقوم على هذه الغاية أولا قبل احتراف المعاملات الدنيوية.
لعل في أراض الإسلام، كما في هذه الأرض، من يصون على أهلها المسلمين عقيدتهم لتظل على منهاج القرآن الكريم والسنة الشريفة وسلف الأمة الصالح. وكل خسارة يمكن تعويضها في دنيا، إلا خسارة الدين، وتحديدا فساد المعتقد، فإنما النجاة يوم القيامة قائمة على الخلوص من الشرك، وقوة اليقين بوحدانية الله، فلو فقد الإنسان هذه الشعرة في قلبه ما نفعه لو اجتمعت له كل مظاهر التدين الفاسد أو الدنيا الملونة.
الحمد لله على نعمة التوحيد لله حقا وصدقا، وهذا الحمد مما هو مستوجب على كل مسلم ذاق حلاوة توحيد الله وعبوديته الحقة، وإن فقه الشهادتين لهو المنهجية الكاملة لأن يكون الإنسان على بيّنة من أمره وبصيرة في عقيدته.
مباركة أيام أرض التوحيد، هنا، وفي كل أرض يقام فيها توحيد الله سبحانه الحق.
تعليقات
إرسال تعليق