قصة مختلفة في الحب(1)

 



اعتدنا أن نقرأ في منشورات الحب: بأن الحب يأتي فجأة! مثل سيل انحدر على قلبك من علٍ، أو صفعة قوية على روحك الخاملة، أو زلزال ضرب أركانك الخامدة؛ إنه كل ما يجعل الحب حدثا فوق الاستثنائي، يأتي في وقت استثنائي، وعلى شاكلة فوق -فوق الاستثنائية!

ومع هذا الحب المصطدم بكلّنا، يركب كل من  الشغف وضرب من الجنون اندفاعا نحو الرغبة في الغرق - حرفيا- في الحب بكل تعرجاته، حتى لو كانت مواقفه قاسية أحيانا، على اعتبار؛ أن كل ما نمرُّ به هو من حراك الحب لننضج به وينضج بنا. 

وقد كنت مثلك في هذا الظن. ولئن تقرأ مدوناتي القديمة هنا في الحب، سترى هذا الولع بإحداث التغيير الذي طالما أملنا به يتحقق من خلال الحب، حتى لقد تم تحميل الحب نفسه أكثر مما يحتمل. ولا شك أننا قد تلقينا هذا كله  من الروايات في كل ثقافات العالم، أو من الأدبيات التي تتحدث عن الحب وكونه محظة توقف غير مطروقة قادتنا إليها الأقدار لكي نقف ونتمهل وننظر من خلال الحب إلى أنفسنا فنعرفها كما لم تكن من قبل: تحارب الهواء، وتصدم في وجه الرمال، وتستبصر في وجه القمر- أي أنها تعرف ما تريد، ومن تريد! 

حسنا، هذا النوع من الحب المعترض على نظامنا الوجودي هو حبٌّ ليس لنا! وبعبارة أصح، هو حبٌّ نريده لنا، ولكنه ليس الحب الذي يريده الله لنا! 

إن العجلة والاندفاع، وما يعقبهما من الحزن والغضب ولوم الذات، وانتهاء برغبة مقيتة في الانتقام ثم النسيان، كل هذه المعطيات ليست من طقوس " الهناءة" الموعودة بها أرواحنا في رحلتنا الدنيوية. فلك أن تؤمن بأن كل ما يقودك إلى الهم والحزن والغم والألم؛ كله من مداخل الخواطر الشيطانية التي كل وظيفتها أن تقنِّط الإنسان من رحمة ربه وجمالية الحياة. 

لذا، لا عجب أن نسمع عن "الحب المُؤذي"، أو عن الأذى في قصص الحب، تماما كما نسمع عن "الأذى الروحاني" في إشارة إلى سلوكيات ضارة قد نتعرض لها. 

وبعيدا عن منظومة الغيبيات، فإن معولنا هو ذلك اليقين بالله بأنه يسوق لنا حبا من نفحاته تعالى، ربما يشبهنا ونشبهه، ولكن المؤكد أننا في كل انعطافة نشعر أنه لنا وأننا له، وهذا من أكبر علامات الحب المؤكَّد: الأمان. 

الحب المؤكَّد يصلنا عبر السكينة. إذ تغمرنا سكينة بأنه لم يفتنا شيء من قبل، ولن يفوتنا ما نحن فيه أو قادمون عليه. الخوف من الفوات أيضا من علامات اليأس، في أي ظرف كنا فيه . 

إن الحب الذي هو لنا  من الله يدخل حياتنا من أكثر أبواب الضياء اتساعا، فلا شك ولا خفاء، يدخل متسقا مع الطبيعة البشرية في وجود طرف يريدنا في حياته، لا على سبيل الصدفة، بل على بالقصد، وكل القصد: أنه أتى لأنه يعرف أنه ريدنا، وفقط. 

ولكن كيف يتسلل هذا الدخول ليصير حبا؟ 

يتبع..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )