الفلسفة وألعاب العقل

 




سألج مباشرة إلى قلب الفكرة، فلا حاجة للتفلسف في مقالة عن الفلسفة؟!

هل وصلتك الفكرة من هذه الجملة؛ هكذا هي الفلسفة في حقيقتها: بحث في المبحوث، بل والمفروغ منه!
دعني أبدأ من البداية، كي تتحقق لماذا كانت هذه هي النتيجة النهائية لرحلتي مع الفلسفة.

إننا - كبشر- مقدر علينا أن نوضع في أمور أكبر منا كي تشحذ قوانا العقلية. لم ولن نتقدم إلا في اللحظة التي نجدنا لا نستطيع المزيد! في هذه المعضلة نحو الحركة : انفجرت الفلسفة كخلاص للعقل يعبر بها عن أحقيته في الوجود، في الفهم، في التفاعل مع هذا المغلق وربما المستحيل. 

العقل لا بد وأن يتحرك، والنفس لا بد وأن تشعر، وعندما تضعني في كلّي الإنساني داخل محجَرٍ يقصر حركتي، فإني سأظل أحفر بأظفاري كي أجد ثقبا أنفذ منه، هذا الحفر هو تفكير، وهو أيضا شعور وحدس.

أفهم جيدا هذا الانكباب المزهو بنفسه المشاهَد اليوم في بيئتنا الثقافية تجاه "الفلسفة"، فالأمر مزودج بين تغييب طويل عن قبول أطروحات إعمال العقل من جهة، ثم تلك الزخرفة اللفظية التي تحملها الفلسفة في ذاتها، كونها بدأت علما للخطابة والتعبير قبل أن تتمحص لتصبح مجمل ما في الأفكار من حياة، من جهة مقابلة. عندما نشرع في النمو، يكون تعلقنا بكل ما هو لافت، وربما عويص، علامة نعجب بها في أنفسنا تدل على شجاعتنا النامية: أنا أفكر فأنا موجود! هي هذا التصوير لعقل يريد أن يكبر، لو كان صاحب هذه العبارة كي عقل ذلك!

إننا كبشر نتمدد بالأسئلة، ولو من دون إجابات، وهذا ما تقدمه الفلسفة ببرهانية قوية: عليك أن تطرح الأسئلة وليس لك أن تحصل على الإجابات؟! ولكن إلى متى؟! الحرية من تحمل عبئية بذل الجهد للوصول إلى إجابات أو تفسيرات أو براهين، تفسد على العقل الجبار مهارته في طرح الأسئلة. فالحياة التي نعيشها على هذه الأرض تريد إجابات، بمعنى منهجا نعيش به يؤلف بيننا، ويحفظ الحقوق ويشكل المصير الموحد. فهل كان أرسطو السائل الأكبر أكثر نفعا على الإنسانية من كوبرينكوس أو غاليليو اللذين تساءلا ثم توصلا إلى نتيجة مفادها كروية الأرض وحركتها؟! في حين عاش ومات أرسطو وهو يدور حول نفسه فقط!

لا أدعي أني قد قرأت كتب الفلسفة كلها، ولكني بدأت منذ أوائل قصتها وتابعتها وهي تنضج حتى الأطروحات الحديثة، المترجمة والعربية، عدا عن سير الفلاسفة فيما تم إثباته من حياتهم، وعدا عن المنظومات التي تطورت في محايذ محدد، مثل مشكلة المؤلف واللغة ونحوها من محايذات الخطاب الفلسفي ككل. فإلى ماذا انتهيت؟

إنها ألعاب عقل لا أكثر!كل قادم يظل يعيد ويردد ويعقِّد ما طرحه السابق، الكل يدور في ذات الحلقة المفرغة مع تشكل ألوان عاكسة جديدة كل مرة، لا لتفتح البصيرة، بل لتغلق هذا العالم أكثر، عالم الفلسفة. 


يتبع..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فقه الحبّ 3 ( نصوص نثرية)

لأنك الرؤيا ( نصوص نثرية )

غضبة أنثى ( قصة قصيرة )