تجلي المتعة
كل من يريد أن يقدم نتاجا لا بد وأن تتجلى فيه روح المتعة!
هو شيء لا يمكن فرضه، ولكنه يسري في الأعمال التي نقدمها حين نعيش فيها استمتاعنا ورغبتنا وشوقنا للامتداد البعيد الذي لا يحد مع كل هذا الشيء الذي من أسمائه : الوجود، الكون، الحياة..الإنسان.
هذا التجلي للروح المستمتعة بما تؤدي يقطع الزمن ولا يقطعه الزمان، نقف أمامه تأخذنا رجفة الخلود، وكأن ما أحد كتب قبل هذا الكاتب، ولا أحد قرأ كمثل هذا القارئ، ولا أحد كان مع كل هذا الإرث المتراكم! والسر يجري في أن قليل القلة من عاش متعته في هذا النتاج .
صدقا، فإني حين أقرأ عملا أدبيا، أتملى أولا: هل استمتع الكاتب وهو يكتب نصه، سواء أكان شعرا أم قصة أم رواية؟ عجيب هذا التساؤل، وهو شيء خارج عن مجال القراءة المباشرة، ولكني اكتسبت هذا النزعة إلى الاكتشاف عن جوانية الممتِع، من طول الدربة في قراءة الرديء، وأقصد به الجاف الذي يمليه كل دافع غير أن الكاتب اراد أن يعيش هنا و فيما يكتب، وحسب.
وعليه نقيس، ما يملؤنا حين تقف أمام عمل فني يخبرك عن صاحبه الغائب: أن مؤلِفي أراد أن يعيش متعته بي، فمنتحته تلك رفاهية لأن أسري في وعي من سيأتي ويشاهد هذا العمل الممتع.
جديب الروح، ذلك العمل الأدبي والفني الذي نكتبه لأجل كل شيء إلا أننا نريد أن نكتبه ونرسمه وننحته...وحسب.
ليس هنا الحديث عن منهجية الفن لأجل الفن، إذ إني شخصيا لست متحمسا لها جدا، ولا أصدق الرهبنة التي تدعيها حال الصدق الأدبي فيما يعيش الكاتب وهو يكتب.
إنما حديثي هنا عن تلك الوردية التي يرى الكاتب أن ذاته هي أول من يهديها هذا النص التحفة!
ثمة ملامح لكيف نعيش المتعة فيما نقدم من نتاج مصبوغ بالأدبية، إذ الزمن يذوى ونحن نذوب في تعرجات ما نكتب، وبعد الانتهاء من الكتابة نقول : هذا آخر نص أكتبه! نعم، لأن الذروة كالقمة الشاهقة، ما إن نصلها حتى لا نبتغي عنها بديلا ولا تاليا.
ربما قطعة من الشكولاتة، أو نزهة في البرية، أو هروب إلى الفراغ المعتق باللاشيء؛ فكل ما نبتغيه في ختام المتعة أن نقوم بأبسط السلوكيات لننسى أننا قد شقينا خلال أداء المتعة المتمثل في فعل الكتابة أو بناء العمل الفني.
بالحق، فإن الأقل بساطة من سلوكيات البهجة تصبح دلالة على أصالة المتعة في رحلة نضج العمل الأدبي. ولا أراني أثق بالقراءة لكاتب يكون غضبه لا ينتهي مع انتهاء كتابة النص، بل يستمر كالثور في الساقية من دون أن يرى المياه التي يجمعها!
المتعة هي حذق الخلود للعمل الأدبي الرصين، إذ لا رصانة في غلق الذات على الذات، والاكتفاء بالألم.
تعليقات
إرسال تعليق